jo24_banner
jo24_banner

خلاف المفكرين حول قضية الديمقراطية

أ.د.أحمد يوسف التل
جو 24 :

يرى الدكتور (خالد بن عبد العزيز شريدة) أنه تبرز في ساحتنا الثقافية عدة توجهات وتيارات تنظر إلى كثير من الأمور نظرات مختلفة جداً. وتلعب المرجعية في اختلاف هذه الرؤى دوراً كبيراً في الحكم على مسائل عدة ومنها الديمقراطية. والمعجبون دائماً ينظرون إلى إفرازات الديمقراطية الإيجابية، والساخطون ينظرون إلى أصولها الفكرية المخالفة للشريعة الإسلامية. وبين هذا وذاك هناك اجتهادات شخصية توافق أحياناً هذا التوجه أو ذاك.
والناظر في الساحة العربية يجد أن التيار الإسلامي تبرز فيه فئة مانعة وفئة قابلة، وفئة ترى الاستفادة منها حيث لا بديل. على أن التيار الماركسي والليبرالي – من العرب – يمتد خلافهم بين مسفه للديمقراطية وهو الماركسي، ومناضل من أجلها وهو الليبرالي. وسوف نحاول هنا أن نعرض إلى شيء من الأقوال مع التركيز على اختلاف التيار الإسلامي في إمكانية الاستفادة من الديمقراطية عموماً في هذا الواقع المتقلب.
يرى عدد من المفكرين أن الديمقراطية ليست مجرد طريقة حكم، إنما تتعدى ذلك إلى أن تصبغ الحياة كلها بالصبغة العلمانية. وهذه المسألة هي أساس الرفض عند هذه الفئة من المفكرين، يقول الخالدي: "إن الوصف الصحيح للنظام الديمقراطي، هو ذلك النظام الذي يعتبر فصل الدين عن الحياة هو القاعدة الفكرية التي عليها يبني مفهومه الذي يتمثل في الإصرار على أن السيادة للشعب.. فالحاكمية والسيادة وإصدار الأحكام هي للعقل، لا للشرع..". ويتهم محمد قطب العلمانيين بالتسول الفكري، حيث يقول إن الديمقراطية ليست فكراً ذاتياً للعلمانيين أتوا به من عند أنفسهم، إنما هي فكر مجلوب، أتوا به من الغرب، وهم لا ينكرون ذلك، بل يفاخرون به. ثم يؤكد أن كل حكم غير حكم الله فهو حكم جاهلية "... و الديمقراطية حيث إنها ليست حكم الله فهي في ميزان الله جاهلية". ثم يشير أيضاً إلى أن العلمانيين ليسوا وحدهم الذين سيصيحون عجباً واستنكاراً أن توصف الديمقراطية بأنها حكم جاهلي بل كثير من الإسلاميين كذلك. ويزيد (بلحاج)، أن المسلمين مطالبون بمخالفة الكفار وعدم مشابهتهم، ومن أجل هذا... "ننبذ الديمقراطية مخالفة للكفار، من القواعد الشرعية التي نقل عنها جماهير المسلمين قاعدة مخالفة اليهود والنصارى، والأدلة الشرعية على صحة هذه القاعدة كثيرة ومنها قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}. وقد يضاف إلى هذا، أنه لما كان المسلم منهياً عن التشبه حتى في الشكليات والسلوكيات، فإن التشبه في قضية الحكم أشد نهياً. وفي معرض نقده للديمقراطية يشير النحوي إلى أن من سنن الله في الكون أن فتح أبواب التقدم والنهوض لمن يعمل ويسعى ويفكر، ولذا لا نستطيع أن نستشهد على تقدم شعب من الشعوب في الميدان العلمي والثقافي لنستدل على صحة عقيدته، وسلامة منهجه، وعدالة حكمه، لأن التقدم حصل في ظل أنظمة مختلفة، وليس حكراً على الديمقراطية.
ويناقش جمال سلطان الهزيمة الفكرية عند بعض النخب الثقافية بقوله إنها لا تكاد تفهم شيئاً من أمر دينها أو دنياها إلا بالقياس إلى الآخرين – الغرب -. ومن طرائف هذه النخبة أنها تريد أن تضع توقيع الإسلام على الديمقراطية الغربية، فرأت أن الشورى تناسب هذا المفهوم فزاوجت بين اللفظين لتخرج بمصطلح جديد سموه "الشوروقراطية"!!!. ثم يضيف منتقداً أساس الديمقراطية – هو حكم الأغلبية – بأن الإسلام لا يعتد بهذه الوسيلة على إطلاقها، ولا يرجح الرأي على غيره لموافقة الأكثرية عليه، بل ينظر إليه في ذاته، أصواب هو أم خطأ؟ فإن كان صواباً نفذ، وإن لم يكن معه إلا صوت واحد، وإن كان خطأ رفض، وإن كان معه تسعة وتسعون صوتاً من المئة. وإلى جانب هذا المعنى يؤكد قطب أن "الحس الإسلامي" يمنع "احتراف" التأييد واحتراف المعارضة في التصويت الذي تمارسه الديمقراطية الغربية، أياً كان غطاؤه. فيحترف ناس التأييد لأحزابهم ولو كانوا غير مقتنعين، كما يحترف ناس المعارضة لا للحق لكن لإحراج الآخرين. وهنا يذكر الصاوي أن أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني عبر عن هذه الظاهرة بقوله: "لقد سمعت في مجلس العموم كثيراً من الخطب التي غيرت رأيي، ولكني لم أسمع خطبة غيرت صوتي". وفي الانتخابات تضرب الأحزاب الوعود برفع الأجور وغيرها فإذا ما استلمت أزمة الحكم نكثت بعهودها، وهنا يقول قطب "أفيراد تمثيل هذه اللعبة في الإسلام لنكون حضاريين، ونكون تقدميين، ونكون عصريين،؟! إن هذه صورة من صور تدني "الحس الإسلامي" للمطالبة بهذه اللعبة الديمقراطية.
هذا العرض الموجز يبرز بوضوح موقف هذه النخبة المعارض تجاه المسألة الديمقراطية من أساسها. ويضيف (قطب) أن هذا الموقف معارض للديمقراطية التي وصفها بأنها حكم جاهلي.. "فليس البديل الذي ندعو إليه هو الدكتاتورية.. إنما البديل الذي ندعو إليه هو الإسلام، هو المنهج الرباني، الذي أنزله الله ليصلح به الأرض ويصونها من الفساد... " على أن هذا التسفيه للديمقراطية لم يقتصر فقط على هذه الفئة من المفكرين، فالتيار الماركسي في الفكر العربي –كما يذكر الجابري- قد بنى خطابه على الحطّ من الديمقراطية التي لم يكن يرى فيها غير الوسيلة التي تستعملها البرجوازية للاستبداد بالطبقة الكادحة واستغلالها. والشيوعيون – كما يذهب ستيوارت- يصرون على أن الفقه الديمقراطي القائم على حرية الفنون والعلوم من السلوك الشخصي، إنما هو مذهب خبيث وفاسد، وإنهم يحتجون بأن الديمقراطية الرأسمالية تسمح بإفساد الشعب وخاصة شبابها عن طريق الأفلام والمسرحيات وبث التفاهة والفحشاء.
والواقع أن تعظيم الديمقراطية والإعلاء من شأنها بلغ حداً كبيراً باتت معه تلف حياة الشعوب والدول والجماعات والأفراد. فباسم الديمقراطية، "تتعرض اقتصاديات حوالي مئة دولة للتغيير والإصلاح لكي تصبح أكثر انفتاحاً وحرية، وباسمها يجري عزل دول وحصارها لإرغامها على صيغة معينة من التعددية، وباسمها تستعمل الديون المتراكمة على عشرات الدول لتغيير أنظمتها.. وباسمها أتيح لإسرائيل أن تقوم فوق أرض الغير ولو اغتصاباً.. بل لقد امتد أثر الديمقراطية إلى الأسرة بالبيت، ففلان ديمقراطي في معاملته مع الآخرين، وفلان ديمقراطي في بيته ومع أسرته..".
وفي الجهة المقابلة لهذا الطرح، هناك نخبة من المفكرين يرون أن الديمقراطية ضرورة حياتية من أجل النهوض بالواقع العربي والإسلام ووحدة كلمته. يقول الجابري "... وكما أن الديمقراطية ضرورة وطنية، قطرية، فهي أيضاً ضرورة قومية عربية، والوحدة العربية كضرورة حياتية بالنسبة إلى العرب، أعني كشرط أساسي لبقائهم ووجودهم. وليس من الممكن اليوم تحقيق الوحدة بطريق آخر غير طريق الديمقراطية". ويؤكد الجابري في مقالات عدة أن الديمقراطية اليوم "ليست موضوعاً للتاريخ، بل هي قبل ذلك وبعده ضرورة من ضرورات عصرنا. والشرعية الديمقراطية هي اليوم، الشرعية الوحيدة التي لا بديل منها". والعمل من أجل تحقيق الديمقراطية يتطلب – في رأي علوش- وجود قوى ديمقراطية تحتاج إلى أن تخوض معارك مع البنى التقليدية، فيقول: "إن بناء المجتمع العربي المدني لن يقوم بلا معارك مع القوى الرجعية والإمبريالية.. علينا أن نخوض هذه المعارك – السياسية والاجتماعية والاقتصادية -، من أجل أن نبني المجتمع الديمقراطي". وفي معرض حديثه عن الديمقراطية يذكر الأنصاري "أن البشرية عرفت أنظمة حكم مختلفة وانتهت إلى أن أفضل صيغة للحكم هي الديمقراطية، وأنها الطريق الوحيد لتقدم ونهضة الأمم.. حيث في الدول الديمقراطية نلمس آثار هذا الرقي في كل الميادين، الفكرية والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية والسياسية والأخلاقية!!". وفي كتاب "الحرب العالمية الثانية" يعتقد العقاد أن من دعائم السلم العالمي، شيوع الحكم الديمقراطي بين الأمم، ثم يشير إلى أن "انتشار الديمقراطية مصل واق من الحروب، أو مخفف للإصابة بها ولو بعض التخفيف، وشيوعها في العالم ينصف الأمم الضعيفة، كما ينصف الأفراد الضعفاء".
... ولعل من الإشكاليات التي تسببت في إخفاق التجارب الديمقراطية في الواقع العربي – في رأي الجابري – "أن الديمقراطية تحتاج إلى تأسيس في الوعي العربي المعاصر.. على أن هذه الإخفاقات لا ينبغي اتخاذها ذريعة "للكفر" بالديمقراطية نفسها، ذلك لأنه ليس هناك من بديل للديمقراطية إلا الاستبداد والدكتاتورية". هذا الإطراء المؤيد للديمقراطية تمثله نخب عديدة من المفكرين في بلادنا العربية والإسلامية، وما أكدته الثورات العربية في عام 2011، حيث كان مطلبها وما زال تطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
إضافة إلى هذا التمجيد، نجد نخبة أخرى ترى أن جوهر الإسلام هو الديمقراطية، وأن الديمقراطية هي صميم الإسلام. يقول (الحلو) بعد أن عدد صوراً للديمقراطية "أن الصورة الرابعة من صور الديمقراطية التي عرفها العالم.. هي الديمقراطية الإسلامية". ويؤكد أرسلان أن ما كان عليه العلماء الراشدون هو أشد صور الحكم الإسلامي انطباقاً على الشرع، فقد كان شعبياً وديمقراطياً بحتاً. وهنا يقول الشكعة بانه لا حرج إذاً أن يقال إن "الإسلام أبو الديمقراطية". ولا تقف هذه المزاوجة بين الإسلام والديمقراطية عند هذا الحد، بل إن بعض المفكرين يرون بأن معنى الشورى الإسلامي قد تجسد في واقع الحياة الغربية من خلال مجالسها المختلفة سواء في بريطانيا أو أمريكا أو سويسرا. ويتضح عدم التفريق بين مصطلحي الشورى والديمقراطية في كتابات الكثيرين، حيث يرى بعضهم بأن الديمقراطية وجدت تطبيقاتها ليس فقط في أثينا بل في نظام الحكم عند العرب، سواء عند البدو أو عند الحضر، أو في حكومة مكة قبل الإسلام.

العرب اليوم

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير