تنظير في الكتابة الساخرة
أقسِّم نقّاد الأدب الساخر إلى ثلاثة ..ناقد يسلق بيض وناقد يرقد على بيض وناقد يستحم بالبيض ..ونحن عندنا في الأردن ناقد يسلق بيض فقط ..يعني لا يوجد من يدرسك بعمق ..كله نقد سطحي ولم يجرؤ أحد للنزول من السطح والدخول لبقيّة الغرف ..يمكن الجو شوب والسطح أضمن لهبّات الهواء.
لا أحد يمنح أحد حريّة ..والكتابة الساخرة عموماً فيها حريّة لأنها أمّ التأويلات وهنا مكمن الخطر ..وعدو السخريّة الوحيد ليس القمع كما يعتقد البعض ..بل البلادة ..يعني الناس التي لا تتقن فن التعاطي ..!! هل جرّبتَ يوماً أن تقول نكتة ( تفقِّع من الضحك ) ولم يضحك الذي أمامك ..ماذا يحدث ..لا تموت النكتة ..بل تموت حماستك لإلقاء النكتة الثانية ..أما الآداب الأخرى فهي حتما خاضعة للتأويل الواحد ..لذا يقتلها الرقيب إذا ركب رأسه ..!!
ما الكتابة الساخرة إن لم تكن بنت بيئتها ..بيئتنا ألفاظها عاميّة وكلماتها منفِّرة ..والكتابة الساخرة هي أقرب للشعبي من النخبوي ..لذا ..تحمل معها جوعها وصراخها وعريها أيضاً ..!! أما مسألة التقليد وأسلوب بناء النص..فلا أظن المسألة تقليداً ..بل هو طبع السخرية ..فطبعها أن تقال هكذا عن كل الشعوب ..فيشعر المتلقي بالتقاطع الإجباري ويظن أنه تقليد ..!!
يستطيع الفقير أن يسخر من كل الطبقات الفقيرة والمتوسطة والغنيّة هذا بالإضافة لطبقة الأوزون..أمّا الغني فلا يستطيع أن يسخر من كل هؤلاء ..والفقير مادة نفسه في البداية والنهاية..فأنا أنظر نظرة طبقيّة للتعاطي مع متطلبات العيش اليومي ..!!
وأخيرا لا سخريّة بمفهوم ( التحشيش من الضحك ) مع الموت أو الدم أو المقدسات ..ولكن هناك سخرية الجلد والحك وقرص الضمير ..تصلح في كل الأوقات ..وهي عندما تبني عبارة فيتيه القارئ بين البكاء والابتسام والتأفف والتأوّه..وهذا ما ألجأ إليه عندما أرى أي مجزرة أو دم عربي يراق من جديد ..!!