القعدة قُدّام
عشتُ طوال عمري وأنا أعتبر القعدة قُدّام نوعاً من أنواع التخلّف..أقصد التزاحم على هذه القعدة والزعل إذا لم تجد لك مكاناً (قدّاماً)..! ماذا ستفرق معك إن جلست (قدماني) وإلاّ جلست وراء (القدّام) بمقعد ..أو مقعدين..؟ أنت أنت ..بفكرك..بهيبتك..بثقافتك..! هكذا كنتُ أعتقد ..وما زلتُ ..! حتى إنني لما أدخل المسجد ولا يكون أحدٌ غيري ؛ يعني جاي قبل الجميع..ومن ثمّ يتوالى الناس بالمجيء..وتُقام الصلاة ..أختار الصف الأخير ..كي لا أزاحم أحداً ولا يزاحمني أحد..!
في الأمسيات والندوات والأفراح والأتراح..أحاول أن أبحث عن مكانٍ قصيٍّ لكي أجلس فيه..بالمحصلة : من كثرة ما رأيت من تزاحم وزعل على القعدة قدّام..صار لديّ فوبيا اسمها (قُدّام فوبيا)..!
ورغم إنني للآن..أمارس الجلوس في الخلف بمتعة شديدة ..إلاّ أن قناعاتي اختلفت...فأنا الآن أعرف قيمة هذا ال(قُدّام)..أعرف أن القدّام قدّام مهما كان الشكل والمضمون..أعرف أن القُدّام يصنع لك (قُدّامات) كثيرة في مفاصل كثيرة من حياتك وحياة الآخرين..!
لا تظنّوا هذا ال(قُدّام) مجرد هيبة ونفخة كذّابة..! بل هو ثقافة مجتمع..لأن المجتمع الذي تفني حياتك من أجله لا يعترف إلاّ بالقاعدين قُدّام بل لا يحترم إلاّ القاعدين قُدّام..! هذا مجتمع مسكونٌ بالقُدّام..ويراه حلماً..! حتى أن أحدهم لو دُعي إلى طهور لظل طوال الليل يفكّر كيف سيجلس (قُدّام) وهل سينافسه أحدٌ هناك وما هي الاحتمالات عند ذلك وكيف سيتصرّف إن فقد قدّامه..؟!
مبروك عليكم كلّ هذا (القدّام)..ولكن كونوا (قدّه)..كونوا (قُدّاميين) في البناء..كونوا (قدّاميين) في محاربة الفاسدين..قدّاميين في الإصلاح..قدّاميين في الحرب على كلّ شيءٍ يوقف مسيرة الوطن..!
أمّا أنا ..فاتركوني في الوراء..كل الوراء..فإنّ لي فيه مآربَ أُخرى..!