الحُبّ المرمي على الطريق..
أعترف بأنني لم أمارس الحُبّ في الزمن النظيف..كان أقراني يجوبون الشوارع بحثاً عن فتيات أحلامهم ..كي يظفر الواحد منهم بنظرة وابتسامة تكفيه لإسبوع..كان يسهر الليل وهو يتكلّم عنها..كيف سيراها..؟ كيف سيوصل لها رسالة من كلمتين : خاشة مُخّي..!
كان أترابي إذا أحبوا بنات جيرانهم..فإن (كبّ الزبالة) موعدهم لتبادل وجهات النظر في العيون فقط..كانت تصل الرسائل كلّها..وكانت تصل الأسئلة كلها وسرعان ما تصل الإجابات عند (الكبّة الثانية للزبالة)..!
كانت الفتاة إذا أحبّت؛ من أهم دلائل حبها هو تمشيطها لشعرها وهي سرحانة ..! كانت لا تسمع صوت أمّها وهي تنادي عليها : هيييه يا بنت..! كانت لا تبدي اهتماماً في كلّ شيء كانت تهتمّ به يخصّ عائلتها ؛ لأنها عايشة في عالم ثاني..وتنتظر إشارة أو لمحة أو كلمة من الحبيب..!
أعترف أنني كنتُ الأهبل في ذاك الزمن..الكلّ يحبّ من حولي وأنا دايخ بين الكتب و الطناجر..الالتقاء بكتاب أفضل عندي من عينيْ صبية تتحرّيان قدومي من الشارع المطلّ من شبّاكها.. !
كنتُ ضيّعتُ عمراً لا حبّ فيه..وحينَ صحوتُ..حين شحطتُ بريكات..وراجعتُ حساباتي..وجدتُ العمرَ قد تقدّم..بل الزمنُ قد تغيّر..! لم تعد الحبيبة (تكب زبالة)..ولم تعد تنتظر عند الشبّاك..ولم تتحجج لتذهب للسوق..ولم تمشط شعرها سرحانة..ولم ولم..! بل وجدتُ الحبيبةَ وقد دخل (كلُّ العشّاق الحقيقيين و الزائفين) إلى حجرة نومها..إلى أسرار أسرارها..لم تعد الحبيبةُ في زمن الموبايل والفيس بوك سرّاً من أسرارك..لم تعد حبيبتك لك وحدك..بل لم تعد أنتَ لها وحدها..!
الحبُّ الذي كنّا نغلّفه في القلوب..ونحفظه من الهواء والشمس كي لا يتسرّب..الحبّ الذي يجعلك تحبّ الليل لأن به وجهَ حبيبتك وتسامرها وحدها بخيالاتك وقصصك وتفاصيلك..الحُبّ الذي كان يكركبك عند أول أغنية لعبد الحليم أو أم كلثوم ..هذا الحبّ صار مرميّاً على الطريق..الكلّ يدوسه..وكل السيارات تطرطشه بالماء الوسخ..الحبّ الذي كنتَ تنتظره عند الزبالة أصبح هو الزبالة ..!
قد أكون قاسياً ومبالغاً..ولكنّ الحُب الافتراضي في الفضاء الافتراضي..احتلّ مكان الحبّ الحقيقي في الفضاء الحقيقي..لأنه أصبح عارياً وبلا ملابس ومشاعاً لمرّاق الطريق ولمن يريد أن يتسلّى كي يقتل وقته..!
أُمّة لا تعرف قيمة الحبّ الحقيقي..ستزداد فيها الكراهية حتى لو جمعتها كلّ مناسف الدنيا..!