jo24_banner
jo24_banner

نعرف "من أين لك هذا"

فهد الخيطان
جو 24 : لم تتوقف الأحزاب السياسية والحركات الشعبية عن المطالبة بإقرار قانون "من أين لك هذا"، باعتباره الوسيلة الأنجع لمكافحة الفساد وردع الفاسدين. لا بل إن كثيرين يعتقدون أن عدم وجود قانون كهذا أدى إلى اتساع ظاهرة الفساد والاعتداء على المال العام. وخلال مناقشات الثقة بحكومة د. عبدالله النسور، طالب معظم النواب بتقديم مشروع القانون بأسرع وقت، وهو ما استجابت له الحكومة في وقت مبكر.

لاسم القانون المقترح "من أين لك هذا"، وقع رنان على عامة الناس والنخب، خاصة المعارضة منها. لكن أحدا منا لم يسأل نفسه: هل ثمة مشكلة تواجهنا في تحديد مصادر ثروة المتهمين أو المشتبه في ثرواتهم؟

الأردن بلد صغير، نخبه السياسية والاقتصادية محدودة، تجمعها خيمة عزاء في بعض الأحيان. ويستطيع عامة الناس بسهولة أن "يسلسلوا" أسماء العائلات الثرية، ومصادر ثروتها؛ سواء كانت من التجارة أو الصناعة. وفي عالم الاقتصاد الجديد، ظهرت طبقة جديدة كونت ثروتها من العمل في مجالات التكنولوجيا، وأسواق المال، وقطاع العقارات.

أما الساسة الذين تعاقبوا على مواقع المسؤولية المتقدمة، فهم معروفون أيضا؛ بيوتهم، ومزارعهم إن وجدت، وصلات النسب أو القربى التي استفادوا منها لتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
بدون قانون، ولا تحقيقات لتقصي الحالات المشتبه فيها، يمكن بسهولة أن نعرف "من أين لك هذا". من عمل في وظيفة رسمية عليا وانتقل منها للعيش في "فيلا" فخمة، أو تملك أراضي تفوق قيمتها رواتبه طوال فترة عمله؛ ومن كان عاجزا عن تسديد فواتير هاتفه وصار بإمكانه أن يدرس أبناءه في أرقى الجامعات الغربية، وأن يمتلك بدل السيارة ثلاثا؛ ومن كان لا يملك أجرة مكتبه وأصبح أكثر رجال الأعمال شهرة ونفوذا بعد الوظيفة العامة؛ كل هؤلاء وغيرهم، هل نحتاج إلى قانون يسألهم عن مصادر ثروتهم؟!

مصادر الثروات المشبوهة معروفة. لا توجد في الأردن عمليات اقتصادية كبرى ومعقدة، أو مؤسسات إدارية عملاقة يختبئ فيها الفساد ويفلت منها المتورطون، ما يتطلب تشريعات خلاقة ومحققين أذكياء كالذين نشاهدهم في أفلام "هوليوود" الشهيرة.

لنعد إلى الوراء قليلا، ونراجع عددا من ملفات الفساد التي جرى التحقيق فيها، أو ما تزال قيد التحقيق، وبعضها في طريقه إلى الإغلاق التام عما قريب. جميع المشتبهين فيها كانوا معروفين للجميع في وقت مبكر، وقبل أن تحال قضاياهم لهيئة مكافحة الفساد أو النائب العام؛ كان يشار إليهم في أوساط النخب كفاسدين. مظاهر الفساد كانت ظاهرة على حياتهم، ووسائلهم في استغلال مواقعهم كانت مكشوفة للدوائر المحيطة بهم، وهؤلاء في العادة لا يقصرون في نشر المعلومات.

لم يكن صعبا أبدا أن نعرف أن المدير العام ورئيس مجلس الإدارة في تلك المؤسسة المشهورة قد مدا أيديهما إلى المال العام، أو استغلا نفوذهما لمصالحهما الشخصية؛ الأنباء عن تسجيل قطع الأراضي كانت ترد أولا بأول، والصفقات الجانبية تكون في اليوم التالي حديث النخب في السهرات.

أم الهبات والعطايا؛ أموال، وبيوت، وسيارات، فإن أخبارها تذاع قبل أن تصل إلى أصحابها. وإن حصل وأخفوا الأمر، فإن أول زيارة للمنزل الوثير كافية لـ"كشف الطابق".

كل ما لدى الفاسدين في الأردن معروف، ولا يحتاج إلى سؤال "من أين لك هذا"، بل إلى قانون وإرادة سياسية لاستعادة "هذا". بدون ذلك، سيصبح "هذا من فضل ربي" الجواب الوحيد على سؤال القانون الأبله.

fahed.khitan@alghad.jo


(الغد)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير