ازمة الازمة
شبلي حسن العجارمة
جو 24 :
کان أحد الجند يحمل نکهة الجنوب في حديثه وسليقيته العفوية ناٸماً في ثکنته ، وعندما جاءه عريف الخفر ليوقضه لاستلام وظيفته، کانت الأرض قد أنهکها الشتاء ومضغها البرد القارس وهدتها ظلمات الليل الحالكة ، وبعد أن تجهز الجندي أخذ يبحث عن شيءٍ ما وعريف الخفر فوق رأسه ينتهره ”هيه بسرعة تأخرت علی دقيشك " فقال الجندي الجنوبي ” ييه يا يابه صاکي ملطوط يا خيك " ، وکلما أعاد عريف الخفر الطلب من الجندي بضرورة الاستعجال من أجل الوظيفة کان الجندي يجيبه بنفس العبارة ” صاکي ملطوط" ، فخيل لعريف الخفر أن الجندي قد أصابه مسُُ من الجن ، فذهب مرعوباً لضابط الخفر وهيٸة الخفر واستدعاهم واستمر الحوار بينهم وبينه بنفس العبارات لا زيادة حرف ولا نقصان نقطة والخفير يجيب بنفس العبارة ” صاکي ملطوط"، تذکر أحدهم أن في الکتيبة جندي آخر من نفس بلدته فاستدعوه ربما لحل هذا اللغز وهذه الطلاسم ، وعندما جاء بلدياته کما يقال والجميع متحلقون حولهم قال له ”يا عيل وعلامك ما تطلع علی وظيفتك ويش السالفه ؟" ، فأجابه الجندي ” صاکي ملطوط يا شين" ، فرد عليه بلدياته علی الفور ” ييه يا يابه ومين لاطه يا خي ؟" .
فقال الجندي المترجم لهيٸة الخفر ” يا سيدي هاظ ابقول إنه معطفه الشتوي مسروق" ، وتم حل الإشکال وقيل أنه کما يشاع تم تسمية المنطقة ب ” صاکي ملطوط".
مٶلمُُ أن تری وطنك کرغيف الخبز الذي قسموه إلی شطيرتين شطيرة محشوة باللحم والعسل تحت نواجذ فٸةٍ برغم شبعها وتخمتها لا تنفك تعظ بکل ما أوتيت من قوة وفٸة تحمل للجوع کهوفاً ومغارات في بطونها تحت نواجذها شطيرةُُ محشوة بالزيت والزعتر ولا ثمن للتخلي عنها سوی الموت الأرحم من الموت أحياء.
غاب صوت الأب وتلاشی حضوره أبداً لسببٍ ما أو لأن الجيران ربما قالوا له أن أولادك يتمازحون علی رغيف خبز وشطيرة وستنتهي اللعبة قريباً ، والأم منهمکةُُ في البحث عن فستانٍ جديد لعرسٍ جديد وتسريحةٍ جديدة ، حتی نحنحات حکمة الجد الممزوجة بطعم الهيشي ضاعت بين ضجيج الأطفال وصريك أسنانهم وفزيع الجارة.
في مشهد صراع البقاء علی اقتسام رغيف خبزٍ نصفه من الدقيق الأبيض المستورد مملوء بالدسم النيوزلندي والأسترالي المحلی بالعسل ،والآخر غلاف من دقيق القمح البلدي محشو بالزيت والزعتر البلدي مشهدُُ أشبه ما يکون حوار بين طرشان ، والرهان هو علی المارة والجيران الذين باتوا لا يٶيدون أحد ولا يعارضون أحد ولا يسمع منهم أو لهم أحد.
موازين القوی أقلها تکلفةً وخسارة هو الاعتذار أو شيء من التنازل عن قضمة خبز باللحم والعسل المستورد تضفي نکهةً علی الشطيرة البلدية، وأعلاها هو تنازل فٸةٍ عن خبزتها أو نصفها أو ربعها أو التضحية علی الأقل بإحدی الحشوتين ، ولعل الخسارة الکبری علی جميع الاحتمالات هو سقوط الحشوة من الشطيرتين ليبق حوار الطرشان ساٸداً علی خبزٍ حاف وشطاٸر فارغة لا اختلاف فيها إلا منشأ القمح ولون الرغيف.
حينما تکون مبررات حلول الأزمة کمبررات تعقيدها وتأزيمها لا شك نصبح أمام مسخٍ جديد للأزمة لا يحمل سمات وصفات الأزمة الأولی فنصبح في حيرةٍ من أمرنا للبحث عن أصول الأزمة الأخيرة متناسين اضطراراً الأزمة الأولی وأسبابها وربما أصحابها والحکم لمن الحق وعلی من الغلبة.