jo24_banner
jo24_banner

الدعاية الحزبية والرعاية الأمنية للحوار

شبلي حسن العجارمة
جو 24 :
 
ثمة فرق شاسع ما بين إطلاق الشعارات البراقة وما بين تطبيق القناعات المبطنة،هذا ما يقوله صاموئبل هنتنغتون في كتابه صدام الحضارات، تحت سيف التخجيل من أصدقاء محبين تم دعوتي لحضور أكثر من دعاية حزبية على شكل ندوة يتحدث فيها دائماً ما يدعى بأمين عام الحزب،وعادةً ما يكون وزيراً سابقاً وعدة أشابين من المعالي الباهتة والتي تم تجربتها في المطبخ السياسي الأول وفشلت فشلاً ذريعاً،أو يكون جنرالاً متقاعداً يجيد حفظ الدرس بكل علامات الترقيم،ينظر من مخملية الوعود التي حظي بها على أكواخ شوك الجمهور الذي كتب معاناته بالدم والدمع الحارين من شعبنا الأعزل من مؤسساته والمسلوب لكل أدوات العيش الأقل من عادي.
في إحدى الندوات ،توسط أمين عام إحدى الأحزاب،استل لسانه الذي أغمده طيلة أيام تقلبه بلقلب المعالي وعسل المنصب، كان يردد المحفوظات عن ظهر قلب،وباحترافية الحكواتي الماهر يجلد ذاته،يجلد الحكومات المتعاقبة عن بكرة أبيها،يشخصص كل العلل، يجرح الشعب ويدواي القيادة بلسان مغسول جيداً ومعسول حدّ الإقناع،ثم يلوذ من رواق الحديث بعبارة أجدها الوزن العروضي لكل محفوظة لدعاة الحياة الحزبية الكاذبة ،عندما يقول "إذا بقينا نجلد الذات لن نتقدم خطوة واحدة ،لأننا في سباق مع الزمن"،وبعد الغمز واللمز بالتظاهر بشتم دول الجوار التي تربى بعضهم في أكنافها ،وكذلك قدح مجلس النواب والسلطة التشريعية ،يفتح باب الحوار لأسماء مبرمجة مسبقاً وموزعة لها أدوار النقاش وقد تم حتى وضع الأسئلة بأيادي أمنية لتحقيق التوازن وإكساب هذا الحزب أو ذاك صفة الجدية والشرعنة وأنه بعيد كل البعد عن ثدي السطوة الأمنية،والهيمنة البوليسية التي ترتدي قناع الحرية والمنطلق الوطني الذاتي الكاذب.
نماذج من الأسئلة المكررة والممجوجة لهذه الدمى، ونماذج من الأجوبة المتقنة ،لدرجة أن أكثر من أمين عام حزب رأيته ،يكمش مقدمة أصابعه بطريقة فنية وبإشارة خفية لمن تم ترتيب دور السؤال له عندما يخشى التهور والأطالة بأن يختصر ويصمت ،وفعلاً يبلع هذا السائل بقية الكلمات مختتماً بالعبارة الشهيرة والحديث يطول.
لقد أفلست الدولة والحكومات المتعاقبة من الانكشاف من الاستفراغ السياسي منذ أزمنة من هيمنتها وقبضتها الأمنية على السلطة التشريعية بجناحيها الأعيان والنواب، وتسيير الديموقراطية في الفلك الذي يخدم الدولة والحكومة بظلال أمنية ولا زلت أقول أنها بوليسية بامتياز وهي التي تحمل مسؤولية إرباك المشهد السياسي ،وأفقدت المواطن بوصلة الثقة بالعملية الديموقراطية ،أحد النواب قال لي شخصياً "صديقي كل شيء يأتي لنا على الهاتف ونحن ممثلون نحفظ أدواراً فقط", هذا الانكشاف هو من بعث لعبة الليغو الحزبية حديثة العهد من مرقدها ،لتصول وتجول وكأن كل ما مرّ بنا هو سبع عزيز مصر العجاف وبقرات يوسف السمان التي سوف تحقق نبوءتها أحزاب بقيادة المعالي والباشا والشيخ .
لست ضد العملية الحزبية الجادة ،والتي كانت سبباً في قيام مارد أوروبا بعد عصور الإقطاع والظلام،لكنني ضد أن تكون الأحزاب تمارس ذات الحيل والكدية من المؤسسة الديموقراطية التي فشلت فشلاً ذريعاً بالذات في الثلث الأخير من تاريخنا الوطني،وأن تدار رقعة الشطرنج السياسية بفقاعة صابون جديدة تنفخها ذات الأفواه التي كانت لاعباً رئيسياً في فشلنا بل كانت الخندق الدفاعي الذي يبرر ويفتي لكل ذلك السوء الذي بتنا نحن الشعب البريء من دم يوسف عليه السلام ندفع فاتورة الأخطاء ونحاسب عمن تقاسموا خبزنا ومستقبلنا ومؤسساتنا بشواعيبهم الجائرة.
إن كانت لعبة الأحزاب قد بدأت بالتمثيل وتقسيم الأدوار ومصادرة الفهم والقناعات سوف تكون ال End والنهاية مفجعة وصادمة وستكون الضربة القاضية لقشة الأمل التي يتشبث بها مواطننا الأردني الطيب،وأخشى أن لا ينطبق علينا المثل الخليجي الذي يقول "من عاش بالحيلة مات بالفقر".
تابعو الأردن 24 على google news