سبعينية الانبطاح العربي والخذلان
شبلي حسن العجارمة
جو 24 :
في الخريف الخامس والسبعين للنكبة العربية وغربة الأقصى ، يطرق باب زنزانة التاريخ ثائرٌ عشرينيّ لا ذنب له قد اقترفه سوى أنّه وُلد في وطنٍ محتل وحرية مصادرة وتاريخ مزور ، ويقرع باب الكرامة العربية والإسلام حشرجات روح شهيدٍ لا جريرة له سوى أنه وُلد في نعشٍ مسروق من زيتون بلاده المغصوبة ومضى ، ويصرخ في اذن الصمم العربي المتخاذل سمفونية النائحات بالرايات السوداء في وجه التغافل والتعامي والخذلان الممنهج .
في ذات الخريف حين جف العشب ، ونضج الزيتون ، وصار برتقال يافا أجراساّ ،سكب المولعون بالحرية والتواقون للنور فرات دمهم وزلزل أرواحهم كي يبقى حلم العودة أخضرا، ففي غزة فلسطين الحصار صار عشرات الحضار طوق يهودي وبقية الأطواق تكفل بها بنو العرب .
في درس طوفان الأقصى صفحات من التعرية لهشاشة المحتل الغربب الذي جاء طارئاً وسيزول كما جاء ، لكن العقل العربي تأخر كثيراً في استيعاب الدرس الكبير الذي قدمه جهد النضال بتواضع الأدوات وضخامة النتائج.
في بئر الموت المجاني في يوسفية غزة كلنا إخوة يوسف وزليخة وعزيز مصر وفتيان السجن والنسوة اللاتي بطعن أيدي الغزيون والغزيات ، كلا لا تنفضوا أيديكم ايها العرب من قصعة الدم ومصافحة بائعة عطر المنشم ، ما غزة بشعبها إلا صفقة وصفقة كصفقات وجوه شعوبكم التي أذللتموها بالتجويع والتركيع وصفعات الدبلوماسية الزائفة الأكثر فتكاً من منابر أفيخاي أدرعي وتصريحات نتنياهو وغارات طائرات كفير الصهيونية وأسراب ميراج الفرنسية وراجمات واشنطن الدموية .
ثارت غزة لكرامة الإسلام وتاريخ الأمة المسلوب ، لتنتصر لمن دنسوا الاقصى الذي تعهدنا به منذ زمن ، لكن العرب جميعهم إن أقللت والمسلمين قاطبةً إن تاملت لم تقم لهم سوى قائمة التصريحات التي ترتدي براقع الكلام ولثام الخجل والخوف.
لحساب من هذا الصمت ، ومن الذي يدفع ثمن هذا الانبطاح الذي بات ينفخ الروح في مارد الطوفان العربي المسلم من تحت رماد التخاذل ؟ ، نحن الشركاء الصامتون ، والشهود الذين بصمنا بالنظر والسمع والصمت .
في نشوة المحتل الذي استباح الدم والأرض والعرض شهوة الهيمنة وأحلام صهيون المتجددة التي لن تهدأ مهما كان الثمن .
في كل نبوءات شيوخ السياسة المواجهة المؤجلة حتمية لا محالة ، لماذا لا نذهب لكرامة إحدى الحسنيين بأقدامنا ومواقفنا التي سنحاجج بها إله المستضعفين في الأرض وفي السماء ؟ .
منذ خمسةٍ وسبعين خريفاً ونحن نقبع في غياهب هذا الانبطاح العربي الذي جرّ الويلات تلو الويلات ، ونحن لا زلنا بين شاحبٍ ومستنكرٍ ومحتج لا حول له سوى الصراخ والهتاف واليأس!