لبنان: الأکف البيضاء أم الثورة الحمراء ؟
شبلي حسن العجارمة
جو 24 :
” بدأ الربيع العربي بتونس وانتهی بتونس" ، مقولة لرٸيس جمعية علم الاجتماع الأردنية وأستاذ ورٸيس قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدکتور إسماعيل الزيود ، عبارةُُ فتحت باب الحوار وتحويل محاضرة علم الاجتماع إلی دراسة اجتماعية سياسية حين کان محور الحديث أن الجميع ذوب الأنا من أجل لبنان .
بذرة حقيقة من کيس معرفة الأستاذ الزيود لنشر الوعي للعقل العربي المثقف بأن لبنان اليوم ليست بلبنان الأمس ، وأن الجوع کان کفيلاً بأن وحد لحن إيقاع الشارع البيروتي بکلن يعني کلن ، وأن الإحباط کما قال الزيود بعد نادرة الحالة التونسية قد بعثه الشارع اللبناني من جديد ليقدم اللبنانيون نموذجاً ربما نستطيع الاتکاء والتعويل عليه هذا إن نجح أبناء لبنان الذين نجوا باجتياز کل عواٸق وعوامل التفرقة وطي کل صفحات الخلاف لتوحيد الرٶية والهدف الأبيض والولوج تحت أکناف خيمة لبنان الحر الکبير والموحد .
صوت الشعب اللبناني الذي کان عابراً لخارطة الفسيفساء الاجتماعية والعقاٸدية والانتماءات والمذاهب والأحزاب في لبنان الکبير بهذا الوعي والحذر والخوف معاً، کان أنموذجاً إذا استمر کما نتمنی علی سلميته ووعيه وشارعه المثقف ربما سوف ينسخ الحالة التونسية بما فيها المشهد التونسي الديموقراطي الأخير ، بل ربما سيعطي شعب المنطقة برمتها دافعاً ومثلاً حياً أن دحر أنظمة الاستبداد وقوی الشر ونهج الفساد ليس بالثورة الحمراء بل هو بالأکف البيضاء وحسب .
کلن يعني کلن ،شعار إيقاعي وصل کل أذن واستطربه کل قلب وتفاءل به کل عروبيٍّ کان صوت الاحتجاج في محيط قوميته وديموغرافيا انتماٸه وحضارته يشکل هاجس الخوف ومشهد الرعب ونشرات الدم والأشلاء وصحف تتشح بلون البارود وصباحاً کان بنکهة قهوة الموت .
لا شك الحذر ومغبة الانعطاف المفاجیء تلف المشهد بالغموض حتی التوقعات والإسقاطات سواء المتفاٸلة أو المتشاٸمة لا تقوَ علی التلذذ بنبوٸتها ولو لمسافة أربعٍ وعشرين ساعة أو أقل ، کما هو مشهد الشارع البيروتي الذي خرج علی أنغام الموسيقی والهتاف المتزن والإيقاع المنضبط بسابقة في مرارة مشهد الاحتجاجات والاعتصامات العربية التي لم تصل حد الثورات أو لم تأخذ شکل الثورة النهاٸي حتی وإن کانت تأخذ الدوافع ورسم الغلاف لکن هناك متغيرات علی المسطح اللبناني وربما خلف الأکمة ما خلفها من تدابير وقوی الشد العکسي الخاسرة من هذا الاحتجاج الواعي والمثقف.
يبقی الرهان علی مدی فاعلية السلمية في الشارع وبداٸل الاستفزاز المتوقعة لجر لبنان لحرب أهلية لا قدر الله أو تکرار المشهد السوري وإغراق لبنان في نفق سيکون أعقد وأظلم نفق في مشهد الشارع العربي الذي بات مأزوماً بسبب تعفن الهرم السياسي بالذات القيادي وصناع القرار اللا أبرياء من خطيٸة کل ما حدث ويحدث وسيحدث .
الخريطة الديموغرافية ليست أصعب من تقرير مصير شعب يقتسم شواطیء طرابلس وأرصفة مقاهي بيروت کما يقتسم التهديد الإسراٸيلي من الجنوب اللبناني وکذلك يقتسم الرهانات التي نتمنی لمراهينيها الخيبة في أن صمت الحکومة وجماعات قوی الدفع وأصحاب الامتيازات لن يطل أکثر وکذلك الرهان علی اختراق العقل اللبناني المستنير والمواطن الفهيم هو حجر ميزان القوی المحللة والمتفاٸلة .
نحن في ماراثون ثناٸي بين التفاٶل والقلق ، ولکلٍ حجته وعوامله ، لکن لدينا ما يکفي للاستغراق بالأمل أن الشعب اللبناني الذي بدأ عفوية المشهد بنعومة الظهور الذي يعکس لبنان المثقف ومشروعية الصوت الواحد کلن يعني کلن هو ما يضفي علی مطالع ما نکتب ونخط أن براءة الشارع البيروتي وإرادته للخروج من نفق الجوع وسرداب الخبز المتفحم ستنتصر علی نهج تمخض عن ولادة مشهدٍ خلفته سياسات متعفنة ومتراکمة قد وضع البلاد بقيادتها وشعبها ومستقبلها علی المحك وربما في مهب الريح إن لم يذعن أصحاب هذه السياسات للصوت اللبناني الصافي والإيقاع المنضبط علی أوتار حناجر الفسيفساء اللبنانية الاجتماعية قبل أن يتعدد الملحنون وتتزاحم آلات النشاز والإيقاعات الأعلی المدعمة بتخطيط الغرباء والمتعطشين للون بيروت حمراء وأکف شعبها قد عادت ملطخةً بعد البياض بالسواد والشحوب أو البتر .