نقابة الصحفيين.. (1) الغابر ماثلاً في الحاضر النقابي
عدنان برية
جو 24 :
يَمثُل الغابر، من وقائع واشتراطات التأسيس وظروفه، في حاضر نقابة الصحفيين الأردنيين، مُتجاهلاً موجبات الإطار النقابي وغايات منتسبيه، في الراهن والمستقبل المهني؛ وهو تمثّل يستمد جذوته من نسق طاول عمره الزمني الـ 66 عاماً.
القواعد الناظمة عملياً غادرت النسق التأسيسي للنقابة، بتعديلات متعددة على القانون، إلا أنها ظلت راسخة في الفقه الضابط لسلوك الصحفيين، مستندة إلى شرعية الممارسة، التي تجلت بمرور الزمن في تعبيرات أكثر ضيقاً وتشوهاً.
ليس من الانصاف تجاهل ما تَشكّل من وعيّ جمعيّ يخالف قواعد التأسيس، بيد أنه - أي الوعي - يعود إلى الغياب في كل محطة انتخابية للإطار النقابي، ليحضر الغابر ليس بكل تفصيلاته، بل أيضاً بما هو أبشع من التفصيل، ليصبح تقسيم المقسم فضيلة، والعصَبيّة دين ومذهب.
وقائع تأسيس نقابة الصحفيين - عام 1953 - خلّقت جُزراً ثلاثة، أصحاب المؤسسات والصحفيون في الإعلام الرسمي والصحفيون في الإعلام الخاص، لتُرسي مبكراً تشوهاً أساسياً وأصيلاً قوامه:
1- اختلال الدور الوظيفي للإطار النقابي، إذ بات - بما ابتُدِع - تائهاً بين تبني مصالح المؤسسة من جهة، وبين مصالح العاملين في المهنة من جهة أخرى، وهي مصالح تناقضها أعمق من نقاط التقائها.
2- اعتلال الوعي الجامع لمنتسبي الإطار النقابي، عبر تخليق "تمايزات وهمية" في المشترك المصلحي، رغم وحدانية القضية المهنية في مختلف أبعادها، القيمية والمعيشية والوظيفية.
الجزر الثلاث، وإن كانت قد غُيّبت بتعديلات قانون النقابة (عام 1998)، إلا أنها حضرت في الوعي العام، وترسّخت في سلوك منتسبي الإطار النقابي، ليضاف إليها جملة من تقسيمات الإخفاق، بأبعادها الاجتماعية والمناطقية و...، ولتخرج علينا بسياط تُدمي أبسط قواعد الفضل في العمل النقابي.
في بعض التصورات، تَظهَر نقابة الصحفيين مُتحجّرة، لا تستجيب للمتغيّر، رغم أن التحديات والمخاطر تُحيق بمنتسبيها، وتشخيصها حاضر في وجدانهم بأشكال وأبعاد متباينة، وهو تحجّر مرده ضوابط السلوك الانتخابي، المرتهن إلى تقسيمات الإخفاق وعصبياتها، والبعيد تماماً عن فقه الصالح العام.
التفاصيل ذاتها تقفز - أيضاً - إلى عقل المترشحين لسدة النقابة، ليترنح خطابهم بين خزّانات التصويت، مُستحضراً أكثرها عدداً في ديباجة الوعود، أما أقلها في ذيل الخطاب إن اتسع المقام والمقال، وهو تتبع انتهازي يفتقر لأبسط قيم العمل النقابي، ويتجاهل مُتعمداً حقيقة أن الجسد واحد، إن اعتل طرفه امتدت العلة إلى أركانه.
جوهرياً، النقابة - أية نقابة - هي إطار مصلحي بوظائف محددة، تراوح بين التنظيم والتمكين والرعاية والحماية والتطوير، وتتساوى فيه المراكز القانونية لمنتسبيه، على صعيدي النص والممارسة، باعتبارهم الأصل والوسيلة والغاية.
ينسحب هذا الفهم على نقابة الصحفيين، فإن اختل أي من عناصره سقطت ضرورته، وهو سقوط يتمدد بين منتسبي النقابة، همساً تارة وبصخب في أخرى، ما يستدعي وقفة حقيقية، تعيد النظر في الغابر الحاضر بفقهه وممارسته، وقفة تنفض عن السلوك الانتخابي تشوهاته، وتعيده إلى بوابة تمجّد القيمة النقابية وتُعلي من شأنها.
في بيت الصحفيين، سيطر الغابر على الممارسة طوال عقود، وكانت النتيجة حاضرٌ مثقلٌ بالإخفاق والإحباط، فتكرار الفعل ذاته كرّس النتيجة السابقة، ما يشرّع النوافذ أمام استفهام من قبيل: ما المانع أن تكون الجولة القادمة مختلفة تماماً وجديدة كلياً؟، قد تكون النتيجة مغايرة لما ألفناه، ربما.