أوقفوا نشازكم.. يؤلمني
عدنان برية
جو 24 :
في حرب فلسطين، تحديداً في معارك قرية قاقون، قاتل والدي دفاعاً عن البلدة تحت راية الجيش العربي، وفي المعركة الأخيرة جاء ترتيبه في الاستحكام (الخندق) بين قائد الفصيل، وهو من عشيرة السرحان، وضابط الاتصال، وهو من عشيرة عبيدات (ذكر لي والدي اسميهما لكن ذاكرتي لا تسعفني).
بعد ساعات من القتال المتواصل، امتدت من غروب الشمس إلى إشراقها، أوشكت الذخيرة على النفاد، وبينما ضابط الاتصال منشغل بطلب الإمداد، وثب قائد الفصيل أعلى الاستحكام مستبسلاً في قتاله، لتصيبه رصاصة في الرأس فيغادر الدنيا شهيداً.
لم يدرك والدي أن الرجل فارق الحياة، خرج من الاستحكام لسحبه وإسعافه بما تيسّر، فأصابت جبهته رصاصة أحدثت جرحاً غائراً، وحين صرخ تنبه ضابط الاتصال، فقفز لإنقاذ والدي، وإذا برصاص غزير يستقر في أحشائه.
ثلاثتهم عادوا إلى الخندق، ومع نور الصباح بدأت قذائف الهاون تهطل عليهم، وبينما أحكمت العصابات الصهيونية طوقها تركت لهم منفذاً يقود إلى تلة قريبة، لينسحبوا إليها فيكونوا هدفاً سهلاً.
ضابط الاتصال كانت إصابته بالغة، يقول والدي، كيفما حركته يصرخ من شدة الألم، وفي لحظة طلب أن أتركه وأنسحب، وقال: جئت هنا لاستشهد، اترك لي بندقية وغادر.
المعركة كانت على حافة مزرعة للموز، ومن عادة المزارعين تكييس قطاف الموز بـ "شوالات" من الخيش، نزع والدي واحداً منها، وبطريقة ما حمل ضابط الاتصال ومضى، فيما كان صراخ الرجل دليل والدي على أنه لا زال حياً، وقبيل الوصول صمت، يقول والدي: ظننته مغشياً عليه وأكملت طريقي، ليتبين أنه فارق الدنيا شهيداً.
ثلاثتهم الآن في دار الحق، شهيدان وراحل بأوسمة القتال.
تذكرت هذه القصة منذ أيام، تحديداً حين غمز البعض في جائحة الكرونا من قناة حاضرة الشمال وأهلها، آثرت حينها الصمت حتى لا يبدو حديثي عن بطولة حقيقية مجاملة ممجوجة.
أما مناسبتها الآن أغنية عمر العبدلات، التي يشيد فيها بوزير الصحة د. سعد جابر، ومطلعها "هرعيتو الخليلي"، فتثير حماسة الباحثين في النسب والحسب، ويردوه إلى عشيرة الجوابرة في سحاب.
هناك، في الخندق، استشهد الأول (ابن السرحان) دفاعاً عن فلسطين، وأصيب الثاني (والدي) وهو يحاول أن ينقذه، أما الثالث (ابن العبيدات) فاستشهد متأثراً بجراح أصيب بها وهو يحاول إنقاذ والدي.
مجدداً.. أوقفوا نشازكم..