jo24_banner
jo24_banner

"كرامة" جديدة.. أم "أيلول" آخر؟

عدنان برية
جو 24 : يبدو العنوان صادماً بعض الشيء، ولا شكّ أن به تناقضٌ صارخ، فبين ما يُكلّل بالفخر والاعتزاز، وآخرَ تفِرّ الروحُ من ذكراه المؤلمة، بون شاسع، رغم أن ذات المُقَل جادت – في الحالتين – زهوا وألما.

ثمّةَ مشروعية أردنية لهذا الاستفهام، الذي يأتي متزامناً مع استشعار شعبي لخطر داهم، يتجلى في المشروع الصهيو-أمريكي، الهادف تصفية ما تبقى من فلسطين ذاتها (ليس القضية الفلسطينية فقط)، متزامناً مع إقبال الرسميين على التفريط بالدولة الأردنية، وانغماسهم في تفكيكها، تماهياً مع ذاك المشروع، دون إدراك لتبعات أبعاده، التي يعلمونها يقيناً.

نوعان من المخاوف، كامنة وظاهرة، تنتاب الحركة الوطنية الأردنية على مختلف مشاربها (أو وفق الوصف المقيت على مختلف أصولها ومنابتها)، برزت مع خطة الإدارة الأمريكية لإيجاد أسس 'متفق عليها' حيال الوضع النهائي لمفاوضات السلام، هما:

النوع الأول: مخاوف على ضياع فلسطين كاملة، بالانصياع الرسمي لمطالب الاعتراف بـ 'يهودية إسرائيل'، وما يتضمنه هذا من تنازل قومي وإسلامي، وكذلك 'تمييع' ثم 'تضييع' لحقوق الفلسطينيين، في وطنهم وديارهم، والإبقاء على 'كانتونات' مكتظة، في أجزاء من الضفة الغربية، يعاد تسميتها - لساعات - 'دولة فلسطين' العتيدة.

النوع الثاني: مخاوف متجذرة على مستقبل الأردن، بوصفيّه: أولاً: الوظيفي، بما يعنيه من انخراط في مشاريع إقليمية ودولية حفاظاً على غاية النظام السياسي بالاستمرار والديمومة؛ وثانياً: الوطني، بما يتضمنه من تذويب للهوية، وتفكيك للدولة، شكلاً ونظاماً ومضموناً، تحقيقاً لكيان وليد مُغاير، على شِقاق جذري مع رحابة التأسيس، ودون مقاومة ذاتُ قيمة في مواجهة تعقيدات القضايا الإقليمية (الفلسطينية، العراقية، السورية، وربما قضايا أخرى).

المخاوف اختمرت على مدى عقود، وآخذة – هي – الآن بالنضوج مع كل جولة جديدة لوزير الخارجية الأمريكي وطاقمه، لكن – للأسف – نضوجها الشعبي لم ينعكس في نضوج خيارات المواجهة والتصدي، إذ لا زالت القوى الناظمة والمؤثرة تستند - في تحركها - إلى جذور الريبة والشِقاق الوطني، رغم وحدة الهدف والمصلحة والمصير المشترك، بما يعتبر عامل إضعافٍ وانتقاصٍ لقدرتها على كبح جماح الانهيار الرسمي، والتصدي لطوفان مُقبل.

توحّد الجهود في إطار جبهوي عريض، يتشكل لهدف واحد، وهو 'إبطال قدرة الرسميين على إنفاذ خطة كيري'، وإيجاد عراقيل شعبية تحول دون إتمامها، يعتبر 'معركة كرامة' جديدة، وانتصار آخر، يعيد إنتاج القوى والشخصيات الوطنية وفق مشروعية شعبية، بفقه مقاوم، لا يقبل القسمة على 'أيلول' آخر، ويلفظ أجندات دولية هي في جذرها محاولة لإعادة إنتاج التاريخ.

لتكن الغاية 'كرامة' جديدة تسقط أولئك الرسميين، ممن درجوا على نفي معرفتهم بغاية كيري وإدارته، وتبرؤوا مما يتسرب منها إلى علم العامة، وهو تنكر مرده التورط الكامل في المشروع الأمريكي – الإسرائيلي، الذي يستحيل معه مكاشفة الشعب.
تابعو الأردن 24 على google news