المريضة رقم 0137 في المدينة الطبية
شبلي حسن العجارمة
جو 24 :
”طبعهم صاير مو زين يا خيي يا فايز وأنا مريضة ضغط وارتجف وما لقولي البال"، بتلك العبارة الشعبية أختتمت أمي الستينية لانطباعها المجروح ونحن عاٸدان للتوّ قبيل الفجر من سياحة الليل العلاجية حين کنا ما بين سندان الليل ومطرقة المطر وقضبان الضباب السرمدي من وإلی المدينة الطبية.
ولا زالت زوجة المدفعي الذي سحب مدفع الهاوزر الثقيل من غور بيسان حين سقط آخر شبرٍ من فلسطين وهي لا زالت تردد عبارته حين قال له رفاق الجيش والهزيمة وهو يجهز المدفع ليرمي مزيداً من القذاٸف علی العدو طامحاً بالنصر فقالوا له اترك المدفع البلاد راحت، فقال لهم قولته التي تحفظها کل القرية لهذه اللحظة ”والله لو ينجبل لحمي مع حديده إلا يروح معي علی الزرقا"، وفعلا سحب المدفع برحلةٍ لم تکن محفوفةً بالورد والزنبق ولم تکن طرقاتها معبدةً بالحرير والقطن.
کل تلك الحکاية لم تشفع للحاجة مُنيفة العطيات والتي تحمل آخر أربعةِ أرقامٍ متسلسلة من اليمين ٠١٣٧ ، لم تشفع لها تلك القصة عند طبيبة الطوارئ وزميليها وممرضة قسم الطوارئ الوحيدة في القسم في هذه الليلة الماطرة والتي لم يجدِ کلام الثناء والمدح والإطراء علی مسامعها من مرافقي المريضة ٠١٣٧ أي هبة ريح أو قطعة من ضميرٍ لمهنتها الإنسانية البحتة، کان الفوز بعد نصف ساعة بسرير للمريضة ٠١٣٧ کفرحةِ التفوق بالثانوية العامة، کما کان الظفر بدقيقتين بعد إلحاح دام أکثر من ثلث ساعة أخری من الممرضة لقياس الضغط وقراءته لمريضة تعاني من مرض الضغط المزمن وقد سارت من مادبا بليلها الماطر المظلم کأنما حيزت لها الدنيا باستجابة الممرضة أخيراً لها، لکنها زودتها الحاجة منيفة علی الأطباء بأن طلبت تخطيط قلب للاطمٸنان أو الونس کما قالت، وحين تم الطلب بطريقة الرجاء والاستجداء من الطبيبة المناوبة صرخت تلك الطبيبة بوجه المرافق انتوا ما بتشخصوا مريض إحنا الي بنقرر، کاد المرافق أن يستلقي بجانب الجدة منيفة ويبحث عن سرير آخر لولا عناية الله ولطفه به، وبالقرب من سرير الحاجة منيفة دارت معرکة الکلام بين مرافقها الحفيد وفني تخطيط القلب بلباسه الأزرق الذي أخذ يرشق المريضة وابنها بالقيم والمبادئ التي اخترقتها زوجة المرحوم المدفعي والمحارب القديم ووالدة خمسة جنود وضابط ومتقاعد بأنها طمعت بمزيد من الفحوصات المخبرية.
کل ذلك المشهد والطبيبة وزميلها الآخر لم يغادرا مقعديهما خلف الکاونتر، وکأن الأمر لا يعنيهما، وحين تفصحن مرافق المريضة ٠١٣٧ بأن وضع الجميع تحت رحمة ممرضة واحدة أمر مرفوض ولا يجوز، صرخت الطبيبة بلباسها المدني مرةً أخری وقالت ” هذا مو اختصاصي أنا، روح اسأل مدير الخدمات".
لکن المواطن الواعي لواجبه کرتبةٍ أدنی في سلم زعامات الوطن وألوياته بتدبيره أراد انسحاباً تکتيکيا بعد أن استجدی طبيباً آخر بدت عليه معالم الدکترة والطيبة بأن والدته إن لم تسمع من طبيب مختص ويرتدي السماعات والمريول الأبيض فذلك کله أهم من الريفانين والمسکن الرخيص، حضر الطبيب لم ينظر للتقرير اکتفی بسٶال المرافق کم ضغط الحجة وبعد أن سمع الجواب من المرافق قال ”وضعch کويس يا حجة تقدري تروحي".
خرجت زوجة المدفعي وهي تجر أذيال الخيبة والإحباط، وهي تقول ”والله هظول بالمرة طبعهم مو زين صاير"، بتلك الولولات التي کانت تتخلل صدر المريضة الحاجة منيفة من بين خشخشاته وکأنه رحی الحنطة التي دارت للتو لطحن القمح عادت أدراجها والصداع يتقاطر من ذقنها المرتجفة.
قال لها ابنها أمي أنتي لست زوجة المدفعي ولا أم الجنود والمتقاعدين هذه خرافة وأسطورة ولّی زمانها، أنت لست أکثر من رقم ٠١٣٧، أنت وصفة عند الدخول تحمل طابعاً بريدياً بـ١٠٠٠ فلس وهل تريدين خدمة خمس نجوم بألف فلس يا أمي؟.
نحن يا أمي مجرد أرقام جافة علی هذه الأرض اليباس، نحن مجرد بطاقات معالجة تحمل صوراً لبقايا بشر مثل أي ورقة زاٸدة في جيوبنا الخاوية، نحن مثل أي بضاعة تحمل تاريخ إنتاج وتاريخ انتهاء ومدة صلاحية، نحن الروتين القاتل ما بين کشرة موظف الاستقبال وتجاهل الممرضات واللامبالاة لدی الأطباء، إن هذه البوابة يا أمي للعوام أمثالنا بلا حرس ولا برستيج ولا VIP، قالت المريضة ٠١٣٧ لابنها المرافق مقاطعة فلسفته الباٸسة الحزينة وشو هاظ ال فيبي يا ميمتي؟، قال لها هذا عصير ساخن الدکتور قال اشتريه للحجة ورح تصير تمام.
علی أول حانة قهوة في شارع عبدالله غوشة طلب قهوته الفوق وسط وکوباً من الهوت شوکلت لأمه من ذلك النادل الوافد، بعدما شربتها بعد مسافة قصيرة قالت المريضة ٠١٣٧ ”له له والله اني تحسنت علی هالفيبي يا ميمتي الله يطول بعمره هالدکتور ريت عمره سمسم وينتثر علی الدروب ويهني ميمته بيه والله اني ظلمتهم يا ميمتي يا يمّه".