2024-04-24 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

صفقة القرن بين ضعف الزعامات وصلابة الشعوب

شبلي حسن العجارمة
جو 24 :


     صفقة القرن هي نفسها ذات الفکرة التي تحمل اسم ” روابط القری" للجنرال الصهيوني يغٸال کرمون والذي  اقترحها عام ١٩٧٦ والتقطها منه آنذاك مناحيم ميلسون مدير الشٶون العربية لدی حکومة الاحتلال آنذاك ، ومن باب الاطلاع وإحاطة إنساننا العربي بحيثيات الصفقة ،  فإن صفقة القرن التي أخذت هذا الوصف الجيوسياسي الأخير هو  ما سيعرف بعد تنفيذ بنودها بفلسطين الجديدة ، والتي سيتم التوقيع عليها من قبل ثلاثة أطراف هي الکيان الصهيوني المحتل ومنظمة التحرير الفلسطينية وحماس أو الأردن حسب ما يشاع، وما هو أخطر من ذلك هو اعتبار القدس عاصمة إسراٸيل التاريخية والذي تبنت قرار إعلانه وکانت أول من علق الجرس هي الولايات المتحدة الأمريکية بترحيل سفارتها للقدس بالتزامن مع إغلاق السفارة الفلسطينية في واشنطن من أجل تضييق الخناق والضغط السياسي والذي رافقه إغلاق مکاتب الأونوروا أيضاً  ، وسيعتبر سکان القدس تحت السيطرة العسکرية والمدنية للکيان المحتل وسيکون لحکومة فلسطين الجديدة دور خافت بمتابعة الشٶون الإدارية لهٶلاء السکان فقط باعتبارهم سکان وليسوا مواطنين  ، کما وسيستثنی من فلسطين الجديدة مستعمرات الاستيطان والتي بلغت ما يقارب ٥١٤ مستوطنة يهودية تابعة بکل أمورها لدولة الاحتلال الصهيوني ، لکن وصاية المقدسات التي تشکل الإشکالية الکبری هل ستبقی تابعة للوصاية الأردنية أم للمملکة العربية السعودية وهذا الأمر الذي ربما لم يحسم بعد بشکلٍ نهاٸي ، کما تتضمن المسودة إيجاد مناطق صناعية وتنموية ما بين فلسطين ومصر فيما يعرف بسيناء لتخفيف الضغط وتفريغ الأرض من أهلها بإغراٸهم بفرص العمل والاستثمار الذي تدعمه دول کثيرة ویالذات بعض دول الخليج العربي إلی الجانب الأمريکي الراعي الرسمي وعراب الصفقة ، کما يتضمن المسودة نزع السلاح من يد المقاومة الفلسطينية وضم غور الأردن وإتباعه للکيان المحتل.

     ودون الاستغراق في التفاصيل فإن فلسطين الجديدة التي ستکون علی شکل قطعة جبنٍ فرنسية ذات ثقوب متباعدة  کما وصفها حسن البراري ذات يوم فإنها  ستحصل علی أقل من ١١% من مساحة  فلسطين التاريخية ، وسيتم سحق حقوق سبعة ملايين لاجئ فلسطيني في أرض الشتات بلا عودة  .

      العلاقات الإسراٸيلة الأمريکية في  أفضل مستوياتها علی حدّ تصريح الرٸيس الأمريکي ترامب، وترامب ونتنياهو وغانتس  ثلاثة مرايا منسجمة لأضلاع مثلث واحد ذو قاعدة تجمعه وهو تصفية القضية وغربلة فلسطين التاريخية للأبد وتشريد شعب أصيل وإحلال شعب دخيل بکل بساطات تلك المعادلة.

       بنود الصفقة غير قابلة للنقاش ، سوف توقع تحت لغة الهيمنة والنار، لأن من لم يوقع راغباً أو راهباً سيکون تحت وابل  النار ولن يربح شيٸاً سوی مصيره المحتوم.

        إلا أن القيادات والحکومات العربية قد أدّت أدوارها بنجاح محکم، وقامت بتذليل العقبات لوضع شعوبها أمام  الأمر الواقع وهما خياران لا ثالث لهما وأحلاهما هو الأمرّ، وقبل مجرد الطنطنة فيما يعرف الآن بحدث الکون والعصر بصفقة القرن أو فلسطين الجديدة، والتي يقول عنها ترامب هو حل أکبر قضية استعمارية استعصت علی الحکماء والفلاسفة في العالم، بعض القيادات والحکومات أدت أدواراً  سياسية فاعلة وبعضها دفع التکاليف کاشاً، وتم الإجهاز علی الشعوب العربية ، فقد تم إزاحة رموز اللاءات التقليديين من وجه إسراٸيل بالذراع الأمريکي الحربي لتفريغ الساحة من مشاغبات القوميين والإسلاميين وربما الديمقراطيين الضعفاء بمساندة الليبراليون الجدد أو أيتام ديك تشيني.

      بالتزامن مع إضعاف القيادات العربية وتسهيل مهام وصول المطبعين والسماسرة ورعاة مصالح الغرب بالوکالة في الشرق الأوسط الجديد وصلت نخب الإعلام الخاصة أو باعة الإعلام  بکل آلاتها وأبواقها وأدواتها، وهذه هي المرحلة الأخطر والأنکی من کل ما يجري وسيجري وهي مرحلة غسيل الدماغ العربي وتشويه قناعات الشعوب وتشکيکها بإراداتها وأدوات رفضها من أجل الإجهاز عليها وتجهيزها للحلقة الأخيرة من مسلسل فلسطين الجديدة  ، وتصوير الآلة الحربية الأمريکية والهيمنة الإسراٸيلية بأنها آلة الطحن القادمة العمياء والصماء والباطشة ، وهي التي لن تبقي ولن تذر علی الأرض ديارا .

      فجزرة المليارات بيد ترامب أمريکيا  لمن قال نعم وبصم ، وعصا النار بيد نتنياهو إسراٸيل لمن قال لا واستعظم  ، وليست صفقة القرن وليدة التو واللحظة أو  اليوم والبارحة ، بل هي نتاج فکرٍ صهيوني بعيد المدی وطويل النفس، تم تحضير مکونات حميمها الحار علی نارٍ هادٸة ، وتم تحشيد کل  طاقات الشيطنة الأمريکية ومردة الصهاينة وبکل الأدوات المتوفرة  ، من تنصيب البيادق وتجنيد الوزراء وتسييس الزعماء وإغراٸهم بالبقاء لقاء ما يقدمون لخدمة صفقة القرن بشکلٍ مباشر أو غير مباشر ، المنافسات في إوجها علی الاستبداد والبطش في الشعوب من قبل زعامات  الجانب العربي والوصول للحکم علی ظهور الدبابات ، وهناك علی الضفة المقابلة للعدو نهج مصلحة خدمة إسراٸيل للأصلح بکل ديمقراطية والشاهد هو الانتخابات الإسراٸيلية الأخيرة .

        الزعامات والحکومات العربية فقدت بوصلة الثقة وهدمت کل أواصر الربط بشعوبها، وماتت لغة الخطاب التي تبلدت منها الشعوب ، والشعوب العربية باتت في أشد حالات إحباطها وغليانها بعد رحلة الجوع المستمرة منذ أزمنةٍ طويلة ، عاشت حقب الوعود والتعشيم ونفخ المعنويات التي کانت في إوجها وصواريخ العراق تدك تل أبيب ، ولم تلبث الفرحة إلا أنها لم تکتمل حين رأت هذا الرمز  يتدلی علی مقصلة الإعدام بيد أمريکيٍ لقيط.

     والإعلام العربي کما هو حال الأمة يعيش حالة انقسام إعلام مسوق وبوق مطوط  وأقلام کهاتف الأجرة کلما  تضاعف الرقم وزادت إضافات السيارة التي يبث منها الإعلامي وتعالت الشرفة التي يرتشف قهوة مقالاته المفخمة منها  کلما کان التفنن في التبرير للانبطاح وأن الضرورات تبيح المحرومات ،والحي أبقی من الميت ،وکف ما بناطح المخرز ،ولحافنا علی قد رجلينا ، وعنزات جحا وحدة قايمة ووحدة نايمة الخ..

      وأنا أقول لحکوماتنا وزعاماتنا وکتابنا ومعلمينا وشيوخنا وأأمتنا  :إذا کنتم ترون هذا الحال من قبل هذا اليوم هکذا  ، لماذا قرأتم علينا تاريخ خالد  وصلاح الدين والمعتصم ؟، لماذا وضعتم في مناهجنا عبدالقادر الجزاٸري  وشهداء الجزاٸر المليون؟، لماذ أخذتم منا ذات يوم مصروف جيوبنا في ساحات مدارسنا  لقاء حضورنا فيلم عمر المختار وقصة نضاله في ليبيا؟، لماذا کررتم علی مسامعنا حديث النبيﷺ بأن الساعة لن تقوم حتی نقاتل اليهود هم غربي النهر ونحن شرقيه؟.

      کما بتم تجففون الأمل في عيوننا قبل أن تجف بحيرة طبريا سوف تجف أقلامکم بجفاف حججکم وانکشاف نظرياتکم ، سوف تعانون من انفصام ضماٸرکم عنکم کما أردتم انفصام الشعوب عن تاريخها ، سوف يسلخ الندم جلودکم يوماً ما کما أردتم سلخ الأمة عن قوميتها وعقيدتها وأرضها ، فإن الشعوب التي صبرت عليکم أمداً بعيداً من الدهر لديها من الصبر ما يکفي أن تنافح وتکافح بکل أدواتها من أجل أن  لا تمر صفقة الذل والخزي والعار والتي والله إن باطن الأرض لنا ولکم خيرُُ من ظهرها ، لقد رفضت هذه الشعوب منذ احتلال فلسطين بأرضها وإنسانها منذ إثنين وسبعين عاماً التطبيع مع عصابة الاحتلال ولا زالت مخلصةً لمبادٸها وقيمها ولم تبدل تبديلا.

     إن کانت زعامات الأمة جاهزة للإذعان فإن الشعوب أکثر جاهزيةٍ من ذي قبل بأن ترفض بالقول والفعل  کل ما تحيکه غيلان الغرب من أجل ديمومة خنجرها الصهيوني المغموس حدّ النصل  في خاصرة الأمة منذ زمنٍ ليس ببعيد، فمن رضع من ثدي الدنية ولا المنية فللأمة ثديُُّ آخر علی صدرها الحنون ستبقی تلثغ منه أحرار الأمة إلی أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو ثديُّ المنية ولا الدنية.
 
تابعو الأردن 24 على google news