في لحظة من صقيع لا يئن!
وتلك الاكواب المعدنية من توتيا العالم الثالث، كانت ملاذنا وبها نشرب الماء والحليب، ونتغنى بما يعلق بها من فضلات الحليب وقطع الكعك القديم اليابس او الخبر الجاف وقد تمت عملية تحميصه ليكون «كورن فلكس» ابناء المخيمات وفقراء عالمنا.
في اكواب التوتيا شربنا المر والعلقم من ذات الخزان وذات الحنفيات.
لا خيار لنا إلا الشرب او الموت من هشاشة العظم.
هكذا تكلم استاذنا الهرم سليمان الرمحي، وكان يكلمنا حاملا إرث شيخ الكتاب: تلك العصا التي صالت وجالت على جلودنا؛ ذلك اننا كنا ندفع من جلدنا ثمن ضحكتنا!
..وحدها..
فعلا كانت هي اول من يطلع على احجية الحياة :
سمعت الحكاية واجفلت؛ ذلك ان حرير الروح قرأت ما كان يجري من نبذ لحكايتنا خارج «الحكاية» بكل ما فيها من عشق او جمال او موت،وهي «حرير الروح» كانت وكانت تتعرى أمام اسراب الطيور التي تخشى المرور فوق صفيح المخيم، وعندما سألت اجابها السنونو على عجل:
-الكل جياع وانا ابحث عن ملاذ!
..ايه يا حرير الروح كم يليق بك ان تسمعي وتسمعي وتسمعي، فكل من جاورني حفظ تراث الجوع والمرض وكرت الإعاشة وغبار الطحين عندما يثور؟.
-كان غبار الطحين داخل الاسطورة فقد كتبنا بالقلم والكوبيا كيف كانت غبار اكياس الطحين تعشش في صدورنا ونتنفسها فترتقي الى القصبات والشعب التي تتلف من اجل حفنة طحين.
بكت حرير الروح وجادت في نسج ما ترى من صمت الحال وعرى الافق، وذكرتني بأن لكل اسطورة من جبل او شجرة او قلب، قبلتها وزدت في الحضن، بكت بحرقة وقالت:
- انت اسطورتي في زمن الصقيع وما تلاه من أنين !
اذلني طيفك الفضي يراقص اشعة القمر، كنت كملاك يبحث عن ظله على الارض، انا تغنيت بالصبر، وجدولت جوعي وصرخت:
نسمع ضمير نيتشه وذاك النداء، متخيلا ان الحال ينتبذ: ((الطبيعة الباردة والمتوحشة لجبال الألب، (..) والتي بالكاد أدفأتها شمس خريفية ودون حب))... علينا ان ندخل. او نخرج من اسطورة العاشق والمعشوق، ففي القدس تتألم يمامات عاشت زغب ريشها الأزلي منذ آلاف السنين، وما زالت تتطاير.. وهي يمامات حائرات في مخبأ لا هو سري ولا هو ضارب في الارض، هن يمامات تعشقهن من هديلهن وزمانهن وجوارهن، زمان الشعر والصمت والغيلان التي تهتف لضياع الارض.
هكذا يتسامى القمر والنجوم
مع الريح والصقيع.
ومنك أستمد حلم الرسام، هو ذاته الذي رسم حرير الروح وعاش معها فتنة الاخضر عندما سافرت تلك الاصابع تداعب دفتر الرسم وجدول المسافات بين فقرة واخرى، فهل نغني معا عن الوطن والانسان، لعلني اعيش تلك الاحضان في خبايا البيوت والخيام القديمة.
2 - حديث الجمعة.
تقول القصة، دخل الرجل جدول الايام،رمته حرير الروح بعود من رمان وثلج معشق برائحة السمك.
توقف نبض الاشياء وقررت الحرير ان تعيد غسل الروح، تلك الخطوات التي تحضن قلبي لينبض على صدرك ونبكي معا.
هيا بنا الى البكاء.
هيا بنا الى رتوش من دفتر الرقص، نختار اغنية عن الوطن والناس ونرقص حد الجنون.
3 - المسافر يوثق ساعة الرحيل!
تحدث عن ساعة السفر،الغيت الرحلة،تعبت الاقدار وزاد عبثها، وقف على نافذة حرير الروح يتلو ما وثقه من مواعيد السفر والهجرة واللجوء.
فتش عن صور لأحضان حرير في بواكير السفر ولوعة المسافر؛ وجد ان الطرقات تحتفل بما يحدث والناس تصرخ:
-القدس لنا.
huss2d@yahoo.com