jo24_banner
jo24_banner

حکومة الحُزم أم الجزم

شبلي حسن العجارمة
جو 24 :


کان وجه فهد أصفر ولونه شاحباً، وکان يمد يده نحو کأس الماء مثقلاً، بينما خشخشات صدره کجاروشة العلف ذات الأقشطة المهترٸة والصرير يتعالی کلما زحف بجسده المتهالك من تحت اللحاف نحو الوسادة ليسند رأسه، وکانت حقيبة عقاقيره وحبوب الدواء الصباحية والمساٸية ومسکنات الألم مترعةً تفيض من فمها، وکان خط قلم الطبيب المستعجل علی عبواتها وأکياسها کطلاسم الحجابين غير واضح ولا مقروء ولا مفهوم، ينادي علی زوجته الأُميَّة لتعطيه علاجاته وعقاقيره حسب وصفة طبيب المرکز الصحي المتدرب والمنفي في القرية، لکن زوجة فهد لم تزد الطين إلا بِلّة، فتدخل في ورشة تکهنات وظنون وتخمينات لعلّها تنجد بحة صوته أو صداع رأسه أو حرارة جسده المرتفعة وسط هذه الفوضی من العقاقير، فتقول اسمع يا زلمة ”هاظ قبل الفطور وهاظ بعد الفطور وهظاك قبل الغدا والخاير هاظ ابو حبه chبيرة المغرب والباقيات بس يروحوا العيال من المدرسة يقولولك وشلون تشربهن".

وصف جرعات العلاج بأسماء إشارة شعبية لا تختلف إلا زيادة حرف المخاطب أو حذفه أو الاستغناء عنه دون مواقيت دقيقة وتکهنات ربما ستعجل بزيارة العم فهد الأخيرة نحو المقبرة التي لا بد منها .

هذه حال حکومة الرزاز، وطن ذو جسد مسجی علی فراش المرض وربما الموت، وحکومة مخيبة للآمال لا تتعدی بخططها وخطواتها حدود تکهنات العرافات الأکثر خيبة وجهل وبداٸية، فکما هو جسد العم فهد بين مطرقة المرض وسندان الإهمال والتأمين الصحي الشعبي الرخيص مختوماً بعناية زوجته التي لا تقل عن حاله سوءاً إن لم تکن أکثر منه، فالوطن تکالبت عليه علل الفساد المستعصية ونهشت جسده دکاکين السلطان وعظت علی رقبة شعبه أنياب الخصخصة ومضغته أضراس البنك الدولي وشرب نخب دمه نادي باريس ، وبات بحالةٍ لا تسر عدواً ولا صديق أيضاً ،لکن بلا حولٍ ولا قوة منه حوله الساسة لکعکة إرضاءات سياسية وطاولة تسلية للعب الورق وهيکل بلا شنکل لتعليق فانوس الأمل أو صف الفشق أو مجرد عباءة الشيخ من أجل إضفاء هيبة علی عظامه التي صارت نايات للرياح ومواطن لتراکمات الغبار والتحجر.

لن أتحدث عن أرقام صادمة ومحبطة لإخفاقات الحکومات الأردنية علی عمومها، فعلی الأقل کانت الحکومات تلعب بالبيضة والحجر زمن الرخاء والاسترخاء وقبل بزوغ فجر الخصخصة الأسود وقبل قدوم طلاٸع قوم الفتاوی السياسية وحتی قبيل حکومات الترهل والفساد والعظ والنهش بجسدي الوطن والشعب ، لأن الأرقام ليست من اختصاصي، علماً أن الارقام في مدی صدقها وواقعيتها تحيطها علامات الاستفهام والشکوك والتکذيب ، وذلك لأن نوعية الوزراء هم من جيل ذاکرة السمك، فمثلاً علی أقرب شاهد معلومات وأرقام ما قام به وزير العمل عن التحدث عدد سفراته وعدد فرص العمل وما إلی ذلك فقد خذل الشعب والوطن في العديد من تصريحاته التي لم تتعدَ استوديو البرنامج التلفزيوني أو أذني مذيع اللقاء هناك.

قبل أسابيع کان خروج رٸيس الوزراء المدوي والمجلجل علی الملأ بعدما سبقه عناوين إعلامية صادحة وصادعة بأن أرقام شيفرة الخروج من عنق الزجاجة بيد الرزاز وأن خلطة الأعشاب السرية للمغص الاقتصادي الوطني المستعصي أيضاً في جيبه الخلفي، وحين ظهر علی العيان أخذ يتلو علی شاشات التلفزة وصفة الحزم وقد أثار سخريتي وسخرية الکثيرين مثلي حين أعادنا لمشهد زوجة العم فهد ولا أجد فرقاً بين الحزمة الأولی والحزمة الثانية للرزاز وبين کلمات زوجة العم فهد وهي تفتش حقيبة دواٸه المترعة هاظ وهظاك وهذيch .

قاموس الحکومة في واد والفهم الشعبي للمواطن في وادٍ آخر، في حين يتحدث الرزاز صاحب الحکومة الأقل حظوةً شعبية والأقل إنجاز علی أرض الواقع الواgع بلغة اقتصاد وحلول مثالية وأرقام کالطلاسم فإن ما يدخل أذن المواطن الأردني من کل هذه الترّهات هو خفضنا الأسعار وقمنا بزيادة الرواتب وخفضنا الضراٸب وحاکمنا الفاسد فلان وقطعنا رأس الثعبان الفلاني..

فمصطلح الحُزم الذي لا يعبر عن حکومة نهضة وإصلاحات حقيقية جادة قد تبلور لدی الفهم الشعبي بأنه من متعلقات الحزام وما يرافقها من الضرب والجلد علی الظهر والقفا وسلخ الجلد، إذ لا يختلف في جناس اللغة عن الجزمة أو الجزم التي تعتبر من متعلقات الأسلحة الشعبية التقليدية کأسرع وساٸل الرد السريع المهينة في رمزية قذفها والتي غالباً ما يقصد بها الضارب وجه المضروب ، فمثلاً بعد وجبة الحزم المثالية النظرية خلف المايکات والشاشات ، کانت وجبة الجزم الفعلية علی أرض الواقع الواgع في وجه الشعب ورغباته مثل جزمة فاتورة الکهرباء وبند فرق المحروقات علی الصعيد الاقتصادي والخدماتي وکذلك الصمت الرهيب والمذلّ إزاء جزمة صفقة القرن المهينة علی الصعيد السياسي ، وجزمة اتفاقية الغاز اللقيط علی المستوی التطبيعي في أعلی درجاته .

ما بين دفتي کتاب الحُزم والجِزم تدور حکاية وطن وشعب ، السرد من قبل الحکومة الحکواتية ممتع جداً للغاية لکن مذاق النهايات بصوت حزام الجلد علی الظهر العاري من بسطات سقف السيل وبطعم الألم عند ارتطام الزربول أو الحفاية أو الجزمة في وجه الآدمي الذي تفنن في صنع المرايا العاکسة واللامعة ليقرأ نفسه کل صباح إنساناً ذو أبعاد تشغل حيزاً من الفراغ وسيماً شهماً متأملاً وليس مضمداً لندبات خدوده أو ازرقاق عينيه أو جروح شفتيه اللتين غنّيتا ذات يوم:

”راسك بالعالي مرفوع الهامة انت أردني أهل الکرامة ".
 
تابعو الأردن 24 على google news