جيش الکرامة ينتشر للکرامات
شبلي حسن العجارمة
جو 24 :
قبل أربعٍ وثلاثين عاماً مر مثل هذا الفجر وقد اکتحل الليل من عيونهم السود وخضب الهامات ومضی وقد شربت شمس ذاك النهار للشفق للغروب للرحيل الأخير دماً أکثر وقد علقت قناديل أرواحهم علی جيدها للخلود ,وارتقت بخضر شکري يعقوب ومحمد هويمل الزبن وسلطان الکوفحي هام السحب وغياهب التيه والمجد,مضوا وبقية کوکبة الثلاثة والثمانين تزفهم نحو علياٸهم ومجدهم الأبدي,في الأرض شواهد أجداثهم وعلی صدورنا مزارات أضرحتهم من کل أذار لکل عام وفي السماء أرواحهم تجلجل بالرصاص والثياب التي لملموا کل جراحاتهم بها وارتقوا و لا زالت تنزف لون الدم دمهم وعبق المسك من رواٸحها رواٸحم وتواروا مع الصهيل الأخير نحو سمو الأفق وسواد النخيل الطويل.
وها هم وقد تناسلت البيادق البنادق في حفنة الوصايا والزنابق يعودون في الفجر الجديد وقد نشروا علی جبال الخوف کل أمان الکون ,حبسوا أنفاس الطرقات عن کثبان صدور الشعب ولملموا أرق الأمهات الأردنيات عن أکفهن اللواتي نسجن بها أکفانهم قبل کوفياتهم وزغردن للوليد وللشهيد وللفجر البعيد .
قدرُُ لهذا الجيش الأبي أن لا تشرق شمس الواحد والعشرين من أذار إلا وهو يخط حرفا للبطولة أو يکتب نصاً عن المجد أو يروِ بدمه سفراً من قيم التضحية والرجولة , فعيدهم قد خطه القدر علی ذٶابة السيف وعلی رٶوس الرماح المسافرة في طعان الوقاٸع الحمراء وعلی ضفاف المجد ,قد أوقدوا فجرنا هذا بخيالاتهم السامقة کسمو النخيل وشبوا من أضلعهم نار الطمأنينة کي تذکي صقيع جدران البيوت والقری التي باتت بنشر زنودهم أکثر أمناً وأصدق أماناً.
ربما تاقو للعيد لينظروه علی شرفات البيوت يختال بين أجراس النعنع الغافي علی خد الشتاء ووجنة الربيع ,ولربما نحن من تاق لهم للبسملة علی تفاصيل نهارهم الممتد ما بين فسحة الحاجب البعيد وحافة الجبين المختبیء من موته المحتمل الجميل وحياته المفترضة تحت ظلال قلنسوته الفولاذية ,لکم أتوق أن أقبل خشونة ذقونهم لأمس حرير المحبة بلغتهم الأخری ,ولکم اشتقت أن أقطف من ياسمينهم الذي أعشب علی أسوار مناکبهم خيط وردٍ لم يکتمل وأرشه علی فضاءات عمان وميشع مادبا ورواية الأنباط وأرابيوس أرابيلا لأسترجع صهيل الخيل وصليل السيوف وأحجية القدر.
عذراً جيشنا المصطفوي فلا نملك إلا أعذارنا الخجلی لفجرکم المثقل بالسهر والصقيع والتعب والذي بات متيقضاً علی إغفاءة وردنا وسبات أطفالنا وطمأنينة الأمهات ,يقتلنا دفء الخجل ونحن نتدثر بليلکم البارد لتبقی جذوة الدفء في أفنية البيوت التي أنجبتکم تشعلها أنانيتنا ,لکن فجرنا اليوم ربما هو توأمة ما بين دلال قهوتنا الأصيلة وزنود فلذات أکبادنا إذ تدور بأکف شبابنا لنری أن شفاهکم المملوحة هي هالها وبنها العدني العابق برواٸح خشونة أکفکم وحرير شهامتکم .
سيمر هذا الليل السرمدي الذي نخشی کما مرت أرواح من تناسلوکم مسرعةً من بوتقة کرامتهم إلی کرامتنا الأبدية ,سيمر الموت بفضل الله الذي مزج تراب هذه الأرض بطيبة إنسانها الصالح الطيب سيمر هذا الموت کما مرت نار إبراهيم عليه السلام وستکون کما کانت برداً وسلاما,وسيمر هذا الغسق کما هو فجر أولٸك الصيد الذي يمرنا کظل طاٸرٍ خفت جناحاه وتسامت بثقل ظلها روحه المحلقة في أبدية الذکری والتاريخ والمجد الذي نذرته الأمهات بأكفهن اللواتي هززن نعوشکم قبل أن يولد الذي أعدّ مهدکم .