jo24_banner
jo24_banner

الانتخابات: ما بين الفزعة والبرنامج

شبلي حسن العجارمة
جو 24 :
 
مٸة عام من حلقات مسلسل الفشل المتلاحقة ,فشل في السياسة ,خيبة أمل في الاقتصاد ,حظ مايل في التنمية المستدامة والمٶقتة , انکشاف مخجل في الإعلام العام والخاص إلا ما رحم ربي ,لکن شر الهزاٸم التي يندی لها الجبين هو کل متعلقات الديموقرطية التي أخذت مصطلحاً هو الأنسب لشکلها الأخير فأصبحت تدعی من قناعاتنا التي ترسخت في أذهاننا ب"الديموفراطية" .
مٸة عام من الفزعة وشعارات الانتماءات الضيقة والحمية غير المجدية,حتی أن الفزعة ذات الجانب المحمود فشلت وأخفتت في إفراز نخب تشکل نموذج يحتذی به ويعول علی نهجه أو يراهن علی مدی جديته ,وبکل تجرد نحن فشلنا في تحقيق حلم التشريع الذي يٶسس لدولة تحتفل بذکری تأسيسها واستقلالها واکتمال مٶسساتها الوطنية التي تم التعامل معها بعد مرحلة النضج والاکتمال کسلعة رخيصة تم خصخصتها واقتسام غناٸم الخصخصة من قبل السماسرة الذين يرون في الوطن المستقل أرض المصيف ومنتجع للنقاهة العابرة لا أکثر .
مرت کل تلك التفاصيل الموجعة من عمر الوطن علی مرأی ومسمع السلطة التشريعية والتي کانت منتج الشللية والمحسوبية والمقايضات والفزعة بشعارات ; مناشدة الفزعة والحمية وکرسي القبيلة وتمثيل العشيرة والمنطقة ومن يحملون سجل رضی أمني ذو نکهة خاصة بطعم أبصم وراٸحة أسکت وبشکل الکف ما تناطح المخرز .
قرأنا کل نظريات العالم الحديث والمعاصر بدءاً من الثورة الفرنسية وحتی منتجات بعض بقع الضوء للخريف العربي ,أعجبتنا ثمار المارکسية وتغنينا ببرامج الشيوعية وتغازلنا مع عيون الرأسمالية وطبلنا للديموقراطية الغربية واجتررنا کل نجاحاتهم,وعند التطبيق عدنا لمربع البسوس وداحس والغبراء وفصول الأوس والخزرج ودارت بنا رحی سياسة المناذرة والغساسنة ,وقد قلبنا المجن لکل ثقافاتنا ونتاجنا الفکري بأن ما تم تناوله من تجارب الغرب الناجحة لا يصلح لديموغرافيتنا .
ولنتفق ولو من باب المجاملة وأدب الحوار أن هذا ما هو کاٸن زعماً ,لماذا تهدر الجبهة الرسمية المتمثلة بالدولة کل هذا الکم من التحفيز وإنشاء هيٸة خاصة مستقلة شکلاً مفرغاً من المضمون لإدارة الانتخابات تمخضت عنها وزارة التنمية السياسية ,حلقات متلفزة ونشرات مبثوثة ومنشورات مکتوبة توزع علی الإشارات الضوٸية لتجر الحصان الهزيل الظامیء منذ مٸة عام لمکان الشرب الذي لم يکن فيه إلا السراب والفشل والخيبة , أما من ناحية الجبهة الشعبية فالمشهد ليس أقل سوءاً من التسويق الحکومي للديموفراطية المصطنعة ,مرشحون ساعون کمن يسعی للهيجاء بغير سلاح ,مجرد الظهور الاجتماعي في المناسبات ومصافحة الجميع يعتبر مٶشر هش للاندفاع وخوض غمار الانتخابات والترشح ولو من باب المداقرة وإضاعة الفرصة علی الخصوم ,لکن وفرة المال هي برکة ماء الأمير نرسيس الذي نسبت له النرجسية حين أوقعه حسن طالع وجهه في وحل برکته المستديرة ,ناهيك عن ماراثون الجنرالات العسکرية التي مرت کحقبة من الزمن يوماً ما أن سيطرت علی المشهد البرلماني ,وبعد حقبة الباشاوية والجنرال کان أمل الخروج والولادة من خاصرة المعاناة هو فقط الحصول علی لقب الدال "الدکتوراة" کفيل باستحقاق المترشح للبرلمان بغض النظر عن الدال ومصدرها وتقدير صاحبها ومدی احترافية التخصص وکفاءة حامل صولجان الدال الشکلي .
منذ عشرة أعوام وأنا أمتطي متصات الخطابة في الانتخابات ,وأصدح بالخطب الحماسية وأستبطن أشعار العرب القديمة والنبطية بل وأحرر وأدقق الکلمات للمترشحين الذين تشابهت کل خطاباتهم وکلماتهم وشعاراتهم دون مراعاة للمکون الاجتماعي والظرف الزماني والمأزق السياسي .
منافسات علی جودة الحلوی ونوع العصاٸر وشهرة مارکة الماء الصحي وبهرجة المقرات وصفاء أجهزة الصوت وحداثة السجاد وبرستيج الاستقبال للناخب البسيط تحت قبة المدخل البيضاء ,البيان الانتخابي هو نتاج توافقات لأٓراء أسرة إدارة الحملة للفوز برضی المترشح من أجل مکاسب مخفية والفوز ٛبإعجاب المترشح .
البرامج الانتخابية لا تختلف عن خيمة المقر والورق الصحي الذي تغلف به الحلوی ,برامج لم تمر بعقل ولا فکر ولم يتم تدقيقها ,مجرد برامج شعبوية وکلمات تدغدغ المشاعر وريشة عزف علی وتر الفزعة والنخوة ومضرب لدف الحماسة .
بعد إعلان النتاٸج تخمد کل أنفاس الفوضی الخلاقة للضغاٸن وبث الأحقاد وتصفية الحسابات والمقاصصة وتبادل الاتهامات من قبل من أخفقوا ورفع إبهام الانتصار في الصور لمن فازوا ,تختم الحلقة الإخيرة بعشاء وغسيل أخير ونمرة حمراء والبحث عن رقم مميز متشابه للناٸب .
تسدل الستارة علی المشهذ الأخير علی عزف المجتمع بالندم وسوء الاختيار وعض الأنامل التي کتبت وانتخبت من الغيظ والوعد بالانتقام وعدم فتح الأبوب للمجرب مع التلويح بالمقاطعة وعدم الثقة .
کل تأوهات الناخب الذي خاب أمله تتلاشی أمام الشيخ والمختار والکبير والوجيه لأنه أعطی کلمة لفلان وأن المحافظة علی الکرسي معرکة مقدسة وحق من العار التخلي عنه مهما بلغ الثمن .
الانتخابات رحی تدور ما بين انتصار الفزعة غير الممنهجة علی فکر والتي لا تعتمد علی رٶية واعية أو نظرة شمولية وما بين انهزام البرنامج الانتخابي الضعيف وغير ممکن الوجود والتطبيق علی أية حالٍ ممکنة أو غير ممکنة .
لقد لقنتنا الديموفراطية الفارغة وفزاعة التشريع وسلطة الشعب أقسی الدروس التي لا زلنا نتجرع مراراتها لهذا اليوم فهل أٓن الأوان من إعادة هيکلة الفکر والمناداة بإحلال البرنامج الخادم للوطن والمواطن والمتزن مع السلطة التنفيذية وطي ملف الفزعة غير الخلاقة والتي جربانها علی مدی قرن من الزمان والتي لم تبق ظهراً لنا ولا وادياً قد قطعت !.
تابعو الأردن 24 على google news