جلطات وطنية!
شبلي حسن العجارمة
جو 24 :
"خافقُُ في المعالي والمنی,عربي الظلال والسنا",کانت هذه الأنشودة أولی جرعات الوطنية في ساحات مدارس القری الترابية الفقيرة المعدمة والخالية من کل معنی للتعليم أو التعلم , فقط کان ما يدل علی هذه السلسلة من الغرف الهشة و العشواٸية الشکل تلك العصا التي کان يمتشقها المدير والمعلم المناوب قبل تجريده من هذا الصولجان الذي رتب حجارة الأساس الأولی لحلم أسمه الوطن, لم يکن ذاك الوقت من مدخلات التعليم أکاديميات تصنع الهيبة للمعلم وتغرس فاصل الاحترام ما بين المعلم وتلاميذه مهما کانت شخصيته , حتی المناهج کانت تحمل ملح عرار وتوابل وصفي وحابس وشيء من خبز اليرموك علی تنور التاريخ النضالي العقدي ذلك الوقت, کانت العبقريات الثلاث منهجاً لنماذج تأسيس دولة التوحيد ;محمدﷺ,أبو بکر وعمر رضي الله عنهما لعباس العقاد رحمه الله,کانت القضية الفلسطينية بغلافها الأصفر بطاقة عبور في مرحلة الثانوية العامة لا مناص منه .
تلاشی ذلك الشتاء بسبعة ثلجات لم تعد منذ ذلك الحين وربيع علی ملامح وجهه بداية الرحيل الجريح وبصيف ٍ باهت ثم تبعه خريف شاحب أسقط کل أوراق ذلك المنجز العظيم بعد أن اکتنف اصفراره الغموض وهبت رياح اغتيال شعب بأحلامه ومنجزاته .
حين تتحول السياسة لدکان ذاتي ومعرض لتحقيق الأنا الخفية ثم تختل موازين کل ما علی الأرض من مفارقات طبقية ,وفروق في الکسب والفقد وفي الإسراف و الزهد تصبح اللعبة أکثر افتضاحاً وانکشافاً بعد حالة البلادة والتموٕيت الجزٸي لأوصال النبض الوطني بشقيه الانتماء والولاء من خلال ترياق اليأس وعقار التجويع وحبوب شد أحزمة البطون ,بينما يتوج اللصوص لدرجة إيصالهم للدونکشوتية ويتم تقليدهم ألقاب هانيبال وزورو ,ويتم منحهم وسام التواضع الأخلاقي مجرد ابتسامهم في وجه جراحاتنا ونواحنا .
من المٶسف أن الذين تتلمذوا علی مثاليات أفلاطون وأرسطو وادعوا المارکسية يوماً وتغنوا بها في جلساتهم لعرض عضلاتهم الثقافية حيناً ,هم نفسهم من يحفظون جيداً حين يلقون علی مسامعنا خطبة أهداف الثورة الفرنسية وقد التقطوا صوراً عند مقبرة قرابين الحرية والتحرر,هم ذاتهم من تمسحوا بنصب إبراهام لنکون التذکاري محرر العبيد ,هم ذاتهم بنفس الوجوه من يعيدوننا لعصور الظلام والإقطاع وصکوك الغفران , ربما اختلفت الصکوك علی شاکلة ملطوش شهري أو لقب شيخ أو وظيفة لا يحلم بها مقابل نظرية البوس والدوس.
وأن تغرق في التفاصيل النابضة بالألم لن ينفعك إسبرين الأمل ولا مهدٸات دوامة المفارقات ما بين القابضين علی التراب بکف ويدفعون سکين التغول عن غدهم بالأخری فقد أدمت کلا القبضتين أصابعهم وأٛضمرت بطونهم .
بودي أن أکتب عن نيکولاي الإنجليزية الشقراء في واشنطن وقصة الإعجاب حين قتلها فاصل اللغة بيني وبينها , وعن باقات الورد من کاثرين السمراء لأتغنی بفاصل دعاٸي يجلب رقماً لا بأس به من المعجبين والمعحبات ,لکن البوح فوق مسرح الجرح هو جرحُُ أعمق وسکين باذحة تجرح مرة وتقتل مرتين , بوسعي أن أطل علی نفسي من شرفة تهريج أو من نافذة كتابية بکفٍ تصفق في عرس الباطل وتلوح من شباك ثمنه حفنة فوسفات أو تذکرة وقوف في المطار المباع أو عرام قمح من قمح المستوعبات الذي بات مرتعاً للقوارض .
لا أنکی من وجع يدب کجيش الجليد يحاصر أطرافك وتشعر به وهو يمد کف الصقيع ليقتلع ما تبقی في أوردتك من طابور الصباح وأنت تحك کفيك بين فخذيك وتنفخ زفيرك بين حلقتيهما وتنشد بصوتك المرعوب من البرد ومن عصا المدير " خا خا خا خافق في الم في الم معالي والمنی !".