مجتمع ذكوري
بشار جابر
جو 24 :
منذ فترة حظيت زوجتي بوظيفة بدوام طويل نسبياً، وبحكم أنني مبتعث للدراسة ولا أستطيع العودة للجامعة (في الصين) بسبب الجائحة، فقد أصبحت أقوم بمعظم الأعمال المنزلية، بالإضافة الى الاعتناء بأبنائنا، وفي أحد الأيام اختصمت مع أبنائي، فوصفوني "بالبيبي Baby" وهي الشتيمة المعتادة لديهم، ولكنهم تراجعوا ووصفوني "بالبنوته"، سألتهم "ليش ’بنوته’؟" فردوا "لانك بتشطف وبتجلي...الخ"، استوقفتني إجابتهم وبدأت التفكير بالطريقة التي نربي بها أبنائنا، ومدى الفكر الخاطئ الذي نزرعه بعقولهم، حتى أصبحوا يعتقدون بأن أعمال المنزل هي للفتيات "البنوتات".
لا يسعني الا التفكير بفترة شبابي ومدى تأثري بهذه الثقافة، فخلال وجودي في بيت العائلة اعتدت أن لا أفعل أي أعمال منزلية، باستثناء الأعمال حول المنزل أو التي تحتاج لمجهود بدني عالي، وأنتقل هذا الى بيت الزوجية، وكثيرة هي الأمثلة على ثقافة العيب الجندرية التي ترافقنا في حياتنا، فمنذ اليوم الأول يكون اللون الأزرق حكر على الأبناء والزهري للبنات، والألعاب القتالية للأبناء والمنزلية للبنات والخشونة للفتيان والنعومة للفتيات، حتى البكاء حرام للأبناء وحلال للفتيات، بحيث يصبح الطفل واقع تحت تأثير عادات المجتمع ليصبح مثلهم، لا يقدر ما تفعله الأمهات والأخوات والزوجات ثم البنات لهم.
في مجتمعنا الأردني الذكوري، نرى أحقية الرجل بكل شيء، حتى لو كانت المرأة أكفأ منه، وأكبر مثال على ذلك القيادات في الحكومة لأصحاب الشوارب والكشرة، أما السيدات فهن أقرب لكماليات المنظر العام، حتى يقال بأن الأردن يعين وزيرات، حتى لو كان التعيين للسيدات مقصور على عدد محدود من الوزارات، ولم نرى رئيسة وزراء واحدة منذ تأسيس الإمارة ولغاية اليوم، مع العلم بأننا تجاوزنا مئة حكومة خلال المئوية الأولى، علماً بأن هذه السياسة تنبع من قلب المجتمع الذي يعاني حالياً من رؤساء حكومات ذكور اغرقونا بالقاع، فالبطالة مرتفعة والفقر بازدياد والأهم بأن الفساد يستشري حتى أصبحت شبه ثقافة.
أتمنى مع انطلاقة المئوية الثانية، أن أرى رئيسة وزراء أردنية، تكون لنا أم وأخت وأبنة، تسهر على راحتنا وخدمة هذا المجتمع، الذي نهبه الذكور الفاسدون، فكم رجل تولى رئاسة الحكومة وفشل، وكم منهم صان الأمانة، واختتم مقالي باقتباس من الراحل نزار قباني "يرون أن إنجاب الذكر أمل، وإنجاب الأنثى خيبة، رغم أن حلم كل رجل أنثى وخيبة كل أنثى رجل".