jo24_banner
jo24_banner

حقوق محرمة في المجتمع الدولي، فلسطين مثالاً خالداً

بشار جابر
جو 24 :


يعرف كارل فون كلاوزفيتز ’الحرب‘ في كتابه ’عن الحرب‘ بأنها "عمل من أعمال القوة لاجبار العدو على تنفيذ مشيئتنا"، ويضيف بأن الساذج هو من يعتقد أن الحرب بدون سفك دماء وبدون الاستخدام المطلق للقوة هي حل ممكن. كما تتعدد السياسات الخارجية للدول ومنها ما يشابه هدف الحرب مثل السياسة الواقعية، والتي تركز على تحقيق مصالح الدولة، وبغض النظر عن خسائر الطرف الآخر. وبعد مرور أكثر من قرن ونصف على كتاب كلاوزفيتز، أصبح لدينا مجتمع دولي محوكم ومتوازن نوعاً ما، وعانى هذا المجتمع من ويلات الحرب العالمية الأولى والثانية، وأصبح هنالك قواعد في هذا المجتمع مبنية على ميثاق الأمم المتحدة، الذي يحتوي على مقاصد مهمة لتعزيز التعاون والسلام، وبنفس الوقت لديه مجلس أمن لموازنة القوى بين الدول القطبية والعظمى، ويمنع المجتمع الدولي الحرب الهجومية الغاشمة لتحقيق مصالح الدول، ولكنه يجبز الحرب الدفاعية ’المساعدة الذاتية‘ ولكن بحدود معقولة.

وعززت الاتفاقيات والمعاهدات التي شجعها ميثاق الأمم المتحدة السلام والتعاون بين وحدات المجتمع الدولي، والتي جنبا لجنب مع الأعراف الدولية أصبحت تشكل مصدرين رئيسيين للقانون الدولي، ومن هنا أصبح حديث الحرب يسبقه مفاوضات ودبلوماسية واتفاقيات ومعاهدات، وبنفس الوقت أصبح ميثاق الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عائق أمام الدول التي كانت في الماضي عدوانية أو واقعية (مثل الدول الاستعمارية)، وأصبحت العقوبات تطال جميع الدول التي تهدد القيم الإنسانية والليبرالية، وأصبحت الولايات المتحدة (بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي) القطب الذي يدعم سياسات ليبرالية وديميقراطية وعولمة العالم. ولكن مازالت تتصرف بسياسة واقعية كدولة، والتي تضع مصالحها أولا وتحققها بكافة الوسائل المتاحة!

وهنا وافتراضاً بأن الكيان دولة، فتعتبر اتفاقية أوسلو للسلام الموقعة بالعام 1993 ومعاهدة وادي عربة للعام 1994 عبارة عن جملة من التعهدات والوعود الملزمة لهذه الدولة وكل الأطراف الموقعة عليها، ونلاحظ بأن الأطراف ملتزمة وحتى اليمين المحافظ العربي ملتزم بهدف إحلال السلام وتحقيق معادلة الجميع رابح، ومنها وعود وتعهدات تنهي حالة الشتات للفلسطينين وعدم الاستقرار في المنطقة، ومع ذلك كان هنالك مشككين من دعاة الحرب أو التطرف بين الطرفين، مما أدى لعدة نكسات أدت الى موت الاتفاقيات سريرياً، ومن أهم الأحداث نجد اغتيال اليمين الأسرائيلي المتطرف لرئيس الوزراء إسحاق رابين، وهذه إشارة على مدى الحقد الذي يحمله اليمين على أي شخص يفرط حتى ولو ب22% من فلسطين (حسب الاتفاق المذكور)! واستمرار الاستيطان وصعود اليمين المتطرف في إسرائيل ومقابله صعود المقاومة الإسلامية المسلحة في غزة. مع العلم بأن شعوب أصحاب الأرض وحلفائهم وبالرغم من المعارضة الشديدة لأوسلو ووادي عربة، وعدم ثقتهم بالمحتل، الا أن البعض تبع القادة أو تم تثبيط مخططاتهم الواقعية بهدف إنجاح الاتفاقيات.

بالمقابل لم يتم تثبيط اليمين المتطرف لإسرائيل، بل صعد اليمين أكثر من مرة الى سدة الحكم، وفي كل مرة تعاد الكرة، فهنالك عدة انتكاسات شهدها السلام بوجود قيادات يمينية إسرائيلية، ومنهم بنيامين نتنياهو وإيهود باراك وأرائيل شارون وعودة نتياهو مجددا، والذي بأكثر من مناسبة أضر باللسلام وباستقرار إسرائيل والمنطقة أجمع، ولم يقم المجتمع الدولي بفرض عقوبات على دولة الاحتلال لردعها من الاستمرار بالانتهاكات الإنسانية ضد الفلسطينين. وهنا يطرح سؤال آخر، إذا كان شعب إسرائيل يريد السلام، لماذا يعيدون انتخاب أكثر من أضر بقيمهم والقيم الغربية الليبرالية والديمقراطية؟ بل وحتى السياسة الخارجية تضررت مع أقرب الحلفاء، فالأردن ومصر تتزايد لديهما الضغوطات السياسية والشعبية، وتبدأ جولات مكوكية لتخفيض التصعيد، مع العلم بأن حلفاء فلسطين حول العالم استخدموا كل الوسائل الدبلوماسية للضغط على دولة الاحتلال، وذلك لحماية الشعب الفلسطيني، ولكن لم تجدي هذه الوسائل في حث المجتمع الدولي بفرض عقوبات على الاحتلال، والسبب هو الدعم الغربي الأعمى والأصم والأخرس لأي إنتهاك للإحتلال.

وبالعودة لكلاوزفيتز فيوضح بأن الحرب آخر وسيلة للسياسة، وأنها إمتداد للسياسة لتحقيق الهدف المنشود، ولكن مع التعنت الصهيوني وحلفائه أصبحت السياسة الناعمة والدبلوماسية مقيدة، وأصبح الاحتقان كقنبلة موقوتة، وهذا ما حدث في السابع من أكتوبر، فالاقتحامات المستمرة للأقصى واستشهاد المئات من الفلسطينين منذ بداية العام، واغتيال قيادات المقاومة، والاستخفاف بالرموز الدينية (للمسلمين والمسيحين)، واستمرار الاحتلال وبناء المستوطنات وعدم الوفاء بالالتزامات الدولية كلها عوامل ساهمت بإنفجار هذه القنبلة، ولا يتحمل أحد نتائجها غير الجانب الصهيوني وحلفاؤه.

ولتأكيد أن الحرب هي الخيار الأخير، فقد حاولت دول الاحتلال وحلفاؤها من الدول الغربية العظمى تحويل القضية إلى مجلس الأمن للحصول على إدانة للمقاومة الفلسطينية، وبالتالي وصمها كمصدر يزعزع الاستقرار والسلام الدولي، ومن ثم التعامل مع المقاومة تحت غطاء الشرعية الدولية. ولكن، وكما هو متوقع قامت الصين وروسيا (أعضاء في المجلس ولهم حق الفيتو)، وأكثر حيادية من الدول الغربية، برفض الإدانة بالشكل الذي تطمح له الدول الغربية. وبالتالي لا تحصل دولة الاحتلال على الدعم المطلق من المجتمع الدولي وبالتأكيد لم تحصل على الشرعية الدولية لمواجهة سكان القطاع الذي ومنذ أكثر من خمسين عاماً يعيش ظروفاً مأساوية. بل وفاقمت الدول الغربية المعاناة للجانب الواقع تحت الاحتلال بأن أبدت الدعم المطلق للكيان بالرد على المقاومة، وحركت الولايات المتحدة حاملة طائرات محملة بالأسلحة لحليفتها، والأصل أن تأخذ الولايات المتحدة موقف محايد ومعزز للسلام ومبادئها الليبرالية والديميقراطية لشعب أغتصبت أرضه منذ 1948، ويعيش تحت الاحتلال بدون أبسط الحقوق للدفاع عن نفسه وحفظ كرامته، وهي مطالب مشروعة في المجتمع الدولي، ويعززها بحق المساعدة الذاتية (الحرب الدفاعية)، ولكن هذه الحقوق محرمة اذا اصدمت بمصالح وواقعية الدول الغربية، بل يطالبون بخضوع تام للاحتلال وتقييد كافة الحريات والحقوق للفلسطينين، وبدون أي معارضة.

ختاماً، تظهر القضية الفلسطينية مثالًا خالدًا على تعقيدات وتحديات السياسة الدولية والنزاعات الدولية. تبين لنا هذه القضية مدى تأثير القوة والواقعية في العلاقات الدولية وكيف يمكن لمصالح القوى الغربية أحيانًا أن تتغلب على القيم الدولية الليبرالية والمثالية لتعزيز السلام والعدالة. وعلى الرغم من وجود إطار دولي محكم وميثاق الأمم المتحدة الذي يهدف إلى تعزيز التعاون والسلام، إلا أن السياسات الواقعية والاحتكام إلى القوة لا تزال حاضرة وتؤثر في توجيه الأحداث. وبإعتقادي أن المقاومة هي التي تدافع عن العدالة والحرية بلاً من القوى الغربية التي نصبت نفسها حامية لحقوق الانسان.


 
تابعو الأردن 24 على google news