اذا كان العالم يتفق على أن تايوان جزء من الصين، لماذا الاستفزاز الامريكي؟
بشار جابر
جو 24 :
بالرغم من العلاقة المتوترة بين نانسي بيلوسي (رئيسة مجلس النواب الأميركي) ودونالد ترامب (الرئيس الأمريكي الأسبق) الا انها لم تقدم على خطوة زيارة تايوان بعهده، واقدمت على هذه الخطوة بعهد الرئيس بايدن (الديمقراطي)، مما يدفعنا للتفكير هل هنالك توافق بين الإدارة الامريكية وما فعلته رئيسة مجلس النواب؟ خاصة أن العالم يشهد اجتياحا روسيا لأوكرانيا، الذي كان يعتقد بأنه سيدوم أسابيع معدودة وقارب على ستة أشهر، استنزف معنويات وموارد روسيا وعرضها لعقوبات دولية وأثر على أداء اقتصادها بشكل سلبي.
هنا يجب التمييز بين وضع أوكرانيا كدولة وتايوان كجزء من الصين، فالعالم أجمع يعتبر تايوان جزء من الصين تحت مبدأ "الصين الواحدة" وبالتالي تقع تحت سيادة الصين، ويحق للصين الغضب من زيارة مسؤول أمريكي لهذا الكيان من دون موافقة مسبقة من الصين نفسها، ولا يقتنع أحد ببيان الإدارة الأمريكية بأن بيلبوسي تتصرف كشخص أمريكي فقط، فالصين لم تغضب لأن نانسي بيلبوسي زارت تايوان، بل لأن رئيس مجلس النواب الأمريكي (بصفته الرسمية) زار تايوان، بالتالي وجود رسالة دعم لهذا الكيان التايواني بأننا معكم وهو ما يعني ضرب سيادة الصين على أراضيها.
هل كانت الزيارة مهمة؟ باعتقادي بأنها زيارة خبيثة لاذكاء الحرب بين الطرفين، كما كان مقترح ضم أوكرانيا للناتو بالخباثة نفسها، ورغم تحذير روسيا لاوكرانيا من الاقدام على مثل هذه الخطوة التي تستهدف أمنها الوطني، الا أن أوكرانيا تورطت بهذا القرار وقامت روسيا بتنفيذ تحذيرها، وعلى الاغلب سيتخلص العم سام من حمل تايوان الثقيل وتسليحه في حال قررت الصين استعادة ما هو حقها، ونفس الوقت تستهدف الصين بعقوبات كما في حالة روسيا، وللعلم الصين تستخدم سياسة القوة الناعمة والنمو الاقتصادي الذي يعيد تايوان الى حجرها بهدوء من خلال التكامل الاقتصادي ووجودها كقوة عظمى عالمية، فهي أصبحت الثانية على المستوى الاقتصادي والثالثة باقوى جيوش العالم أما الجانب التايواني فيحتل مراكز عشرينية في كل من ترتيب الجيش والاقتصاد. ومع الوقت سوف يرضخ الجانب التايواني للتنين الصيني.
وهنالك أمثلة ناجحة على استعادة الصين لاراضيها بهدوء وبحلول سلمية، فإن مكاو وهونج كونج كانت مستعمرتان برتغالية وبريطانية، واعادت المستعمرات (بهدوء) لصالح الصين (البلد الأم) تحت مبدأ (دولة واحدة، نظامان) وهو ما راعت به الصين اختلاف الثقافة والاقتصاد بين البلد الأم وهذه المقاطعات المستعادة، حفاظا على خصوصيتها وأيضا طمأنة للمستثمرين على استقرار هاتين المقاطعتين. وهو تفكير عميق بمصالح الجميع وباثبات أن الصين تحافظ على وعودها وقادرة على حل المشاكل بدون اللجوء للعنف، حيث دام هذا التفاهم لعقود ولوقتنا الحالي.
ولكن، لا اعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تترك الخيار السلمي للصين التي أرسلت مناورات تعد الأكبر في محيط تايوان كرد على زيارة تستهدف سيادتها على أراضيها، وبنفس الوقت لا تغني ولا تسمن من جوع بالنسبة للجانب الأمريكي، الا اذا كانت تستهدف جرهم لمستنقع الحرب، كما يجري حاليا بين الطرفين الروسي والأوكراني، ومن ثم فرض عقوبات على الجانب الصيني وتحريك الإمبراطورية الإعلامية لادانة الصين بارتكاب جرائم حرب أو غيرها من المصطلحات التي تتوافق مع سياسات العلاقات الدولية والعدالة الانسانية لتصبح الصين منبوذة أو مصبوغة باللون الأحمر الدموي بعقول الأمم، استنادا على مبادئ جون رولز ومن لحقوه من باحثين سياسين.
وفي الخاتمة، أتمنى أن تتخذ الصين موقفاً هادئاً من استفزازت السياسة الأمريكية، والتي أوضحت الصين بأنها لا تخاف من أحد، من خلال ردها باجراء مناورات عسكرية وقطع التعاون مع الولايات المتحدة في عدة ملفات. والصين تفتح أيديها لأي حوار لمَن يريد الشراكة، لا مَن يريد السيادة والتحكم بشؤونها وفرض إملاءات عليها، وفي نفس الوقت هي ليست عاجزة عن الدخول في هذه الدوامة الأمريكية ولكن بأية تكلفة؟