jo24_banner
jo24_banner

المنافسة الصينية الأمريكية والقطبية، ومستقبل الأردن في خضم عالم ثنائي القطبية ؟

بشار جابر
جو 24 :
 يعيش العالم حالياً تحت ما يسمى الأحادية القطبية والتي تتمثل بقوة الولايات المتحدة الأمريكية ااقتصادية والعسكرية وأيضا السياسية، التي مكنت العم سام من الهيمنة على العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991 أو حتى منذ الانسحاب السوفيتي من المانيا في العام 1989. ولكن، يظهر منذ بداية الالفية الحالية التنين الصيني كمنافس قوي أمام العم سام، فالصين لديها القدرة على المساهمة في ظهور نظام دولي متعدد الأقطاب، حيث أن هنالك دول مثل روسيا التي تخوض حرباً لاظهار قوتها أو الهند التي ستصبح أكبر دولة بعدد السكان في العقد الحالي متخطية الصين، وأيضاً وجود دور متزايد للجهات الفاعلة غير الحكومية مثل الشركات متعددة الجنسيات ومنظمات المجتمع المدني. ولكن صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية عالمية، إلى جانب تراجع نسبي في النفوذ الأمريكي، سيؤدي إلى حدوث تحول في ميزان القوى بين البلدين. مع استمرار الصين في النمو وتوسيع نفوذها، يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها منافسة للولايات المتحدة.
وبالعودة الى الفترة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور االولايات المتحدة كالدولة المهيمنة، نجد بأن الصين شهدت نموًا اقتصاديًا سريعًا، مدفوعًا بمجموعة من الإصلاحات الموجهة نحو السوق، وساهمة القوى العاملة الكبيرة والمتنامية في دفع الاقتصاد الى مكانه الصحيح وصولاً الى مجموعة القمة الاقتصادية، بالطبع دفع ذلك من خلال الاندماج المتزايد في الاقتصاد العالمي والمحكوم من قبل العولمة. مما مكًن الصين بالظهور كقوة اقتصادية عالمية رئيسية، مع أكبر عدد من السكان وثاني أكبر اقتصاد في العالم (بعد الولايات المتحدة). وركزت الصين على التحول من نموذج موجه للتصدير إلى نموذج يركز أكثر على الاستهلاك المحلي والابتكار وأيضا الاستثمار بكثافة في التقنيات الناشئة مثل جي5 والذكاء الاصطناعي. بالمقابل شهدت الولايات المتحدة أيضًا نموًا اقتصاديًا خلال هذه الفترة، ولكن بوتيرة أبطأ من الصين. لا يزال الاقتصاد الأمريكي هو الأكبر في العالم، لكن حصته من الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد تراجعت في السنوات الأخيرة. ويعزي بعض المحللين والاقتصاديين ازدهار الاقتصاد الصيني الى مصطلح "عملية اللحاق" وأنه حق طبيعي لدولة بحجم الصين.
وفقًا لصندوق النقد الدولي (2022) فإن حجم اقتصاد الولايات المتحدة في العام 2021 بلغ حوالي 22.7 تريليون دولار ويمثل حوالي 16.7 ٪ من إجمالي الناتج العالمي، أما الاقتصاد الصيني بلغ حوالي 16.5 تريليون دولار. وبأخذ عوامل اقتصادية مختلفة مثل القوة الشرائية وتكلفة المعيشة فأن حصة الصين المعدلة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تقدر بحوالي 18.4٪، مما يجعلها أكبر مساهم في النمو العالمي. بالطبع أصبح الاقتصاد بين الصين والولايات المتحدة نقطة توتر رئيسية، مما أجج حرب تجارية وفرض البلدان تعريفات جمركية على سلع بعضهما البعض.
أما على الصعيد العسكري فعملت الصين على تحديث جيشها بوتيرة متطردة على مدى العقود القليلة الماضية، واستثمرت في أنظمة أسلحة متطورة ووسعت قدراتها البحرية. وزاد الإنفاق العسكري للصين بشكل كبير، مما يجعلها ثاني أكبر إنفاق عسكري بعد الولايات المتحدة، ولكن العقيدة العسكرية للصين دفاعية، فلم يحدث أن هاجمت دولا أو قوضت سلطة أنظمة، وتبقى قوتها لحماية نفسها. على الطرف الآخر الولايات المتحدة لديها أكبر جيش في العالم، وبميزانية دفاع هائلة وتتفوق على جميع الدول الأخرى. ويشارك الجيش الأمريكي في صراعات وعمليات حول العالم، بحكم وجوده كقوة مهيمنة لديها مصالح خارجية لحمايتها، ويطبق النظرية الواقعية في السياسات الدولية.
وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تتربع الولايات المتحدة الأمريكية على قمة العالم بإجمالي الإنفاق العسكري البالغ 778 مليار دولار في عام 2021، وحصتها من الإنفاق العسكري العالمي حوالي 39٪، أما الإنفاق العسكري للصين بلغ 252 مليار دولار وحصتها من الإنفاق العسكري العالمي حوالي 13٪، وتحل في المرتبة الثانية. وهذا يعني أن الولايات المتحدة أنفقت ما يقرب 3 أضعاف ما انفقته الصين.
كما ذكرت سابقًا، فإن المنافسة الصينية الأمريكية لديها القدرة على المساهمة في ظهور نظام دولي متعدد الأقطاب، والذي يمكن أن يكون له تأثيرات مختلفة على البلدان في جميع أنحاء العالم. فيما يتعلق بدولة بحجم الأردن، فإن ظهور نظام متعدد الأقطاب يمكن أن يوفر المزيد من الفرص لهذه البلدان لتنويع علاقاتها الدولية وتجنب الاعتماد المفرط على قوة مهيمنة واحدة. بالنسبة للأردن على وجه التحديد، من المهم النظر في علاقاته الحالية مع كل من الصين والولايات المتحدة. حافظ الأردن تاريخياً على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك المساعدات العسكرية والاقتصادية، كما أقام علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع الصين في السنوات الأخيرة.
وللاستفادة من الفرص المحتملة التي توفرها المنافسة الصينية الأمريكية، يمكن للأردن النظر في تبني سياسات تعطي الأولوية للحفاظ على علاقاتها مع البلدين وتوسيعها، مدفوعا بعوامل متعددة مثل قيادته الهاشمية التي تتمتع بسمعة دولية قوية وفاعلة في مختلف القضايا الدولية والإقليمية، بالإضافة الى الاستقرار الذي ينعم به مقارنة بدول الجوار والظروف الجيوسياسية المحيطة واستراتيجياته الحفيصة التي ساعدت بمروره الى بر الأمان. ويمكن أن تشمل هذه السياسات متابعة اتفاقيات التجارة والاستثمار مع كل من الصين والولايات المتحدة، خاصة باعتبار الأردن ضليع بالاتفاقيات الدولية بحكم مبادرته بالانضمام الى هذه الاتفاقيات بوقت مبكر مقارنة مع دول بحجم الأردن بالإضافة الى الفهم الكامل للقانون الدولي الحاكم لهذه الاتفاقيات.
وأيضا الاستفادة من الأزمات وتحويلها الى فرص اقتصادية لمجابهة أخطار مثل اثر اللجوء الانساني على البنية التحتية والأمن والنية المجتمعية الذي استفاد الأردن منه من خلال الجولات المكوكوية لجلالة الملك والحكومات المختلفة لحشد الدعم لمواجهة هذا الخطر بالإضافة الى توفير معيشة أفضل للاجئين، ويمكن القول بأنه أفضل من دولة بحجمه كلبنان، وأيضا يلقى اللاجئون معاملة أفضل من بعض الدول الأوروبية التي تتشدق بالانسانية وداخلها أجوف من أي ذرة انسانية، فضلاً عن الانخراط في الدبلوماسية والحوار مع القوى الإقليمية والعالمية الأخرى لتوسيع نفوذها الدولي، من خلال النفوذ السياسي بملفات ساخنة كالقضية الفلسطينية ومكافحة الارهاب. أما فيما يتعلق بسياسات خارجية محددة، يمكن للأردن التفكير في تبني نهج أكثر نشاطًا وتنوعًا وشمولية في سياسته الخارجية، سعياً لتحقيق التوازن في علاقاته مع الصين والولايات المتحدة مع الانخراط أيضًا مع قوى إقليمية وعالمية أخرى.ويمكن أيضًا النظر في الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والتنمية الاقتصادية التي يمكن أن تجذب الاستثمار والدعم من كل من الصين والولايات المتحدة.
كما توفر الحكومة الأردنية العديد من الحوافز والفرص للاستثمار الأجنبي الخارجي، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية وخصومات تأجير الأراضي واتفاقيات التجارة الحرة. ويمكن لهم الاستثمار في قطاعات النمو العديدة والواعدة، بما في ذلك التكنولوجيا والسياحة والطاقة المتجددة ، والتي يمكن أن توفر فرصًا استثمارية جذابة.
في الختام، من المرجح أن تساهم المنافسة الصينية الأمريكية في ظهور نظام دولي متعدد الأقطاب، إلا أنها ليست سوى عامل واحد من عدة عوامل تلعب دورًا في النظام الدولي، وتظل الطبيعة الدقيقة للنظام الدولي الناشئ خاضعة للنقاش والتفسير. ولا يزال تأثير المنافسة الصينية الأمريكية على البلدان متوسطة الحجم مثل الأردن غير مؤكد ويخضع لعوامل مختلفة. ومع ذلك، من خلال اعتماد نهج استباقي ومتنوع وشمولي لسياسته الخارجية وسياسته الاستثمارية، يمكن للأردن الاستفادة من الفرص التي يوفرها ظهور نظام دولي متعدد الأقطاب.

تابعو الأردن 24 على google news