jo24_banner
jo24_banner

قمم عربية- صينية؟ ما هي الدلالات والتوقعات؟

بشار جابر
جو 24 :

تلبية لدعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وصل الرئيس الصيني شي جينبينغ الى المملكة العربية السعودية، وهي ثالث زيارة خارجية للرئيس الصيني شي جينبينغ منذ بداية جائحة كوفيد-19، مما يدل على أهمية الدول العربية في الأجندة الصينية والعكس صحيح، وخلال هذه الزيارة سيتم عقد 3 قمم أولها سعودية-صينية، تليها خليجية-صينية، وتختم بعربية-صينية. وتعتبر هذه القمم إمتداد طبيعي للأمتين العربية والصينية اللتان تشتركان بتاريخ طويل في مجالات اقتصادية وسياسية وثقافية، وفي العصر الحديث ازدهرت هذه العلاقة بدايةً بالاستقلال المتوازي (عن القوى الغربية) الذي حصلت عليه الصين والدول العربية، والتي تعتبر لبنة أساسية للسياسة العربية-الصينية بالسياسة السلمية واحترام الطرف الآخر وعدم التدخل بشؤونه. وتكللت هذه المسيرة بسياسة الانفتاح الاقتصادي التي انتهجتها الصين في بداية تسعينيات القرن الماضي، وخلال هذه الفترة أصبحت عدد من الدول العربية رائدة بتصنيع النفط والمنتجات النفطية، ولديها حصة الأسد من السوق العالمي، كما تطور رأس المال البشري والموارد المستكشفة في المنطقة العربية، بالإضافة الى موقعها الجغرافي الذي يمر بطرق التجارة الدولية مما أضاف بعد استراتيجي لعلاقات الدول العربية مع دول العالم ومن ضمنها الصين، وكتلاقي لهذه الجهود التي بذلنها الأمتين، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لمعظم الدول العربية وبنفس الوقت تعتمد الصين على الطاقة من الدول المنتجة للنفط، كما أن الدول العربية سارعت بالاتخراط بمبادرة الحزام والطريق، والتي تعزز مبادئ التجارة الحرة والشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، كما أن هذه المبادرة تسعى لاستقرار المنطقة من خلال التركيز على التجارة والإنتاج ودرء النزاعات المسلحة، فهي تقوم على مبدء أن الجميع رابح، مما يعني أن الطرفين يعتمدان على بعضهما ومصيرهما مشترك والمنفعة متبادلة.

وهذه الحقائق أهلت لتعاون أكبر في مجالات البنية التحتية التي تعتبر أحد المفاتيح الرئيسية لإزدهار هذه العلاقة، وتنتشر المشاريع الصينية في معظم الدول العربية ومنها على سبيل المثال لا الحصر ملعب لوسيل (الستاد الرئيسي والذي ستقام عليه المبارة النهائية لكأس العالم 2022)، والعديد من مشاريع الطاقة النووية السلمية والكهروضوئية، بالإضافة الى مشاريع استخراج الموارد الطبيعية، والعديد من مشاريع التكنولوجيا والمناطق الحرة والتنموية.

وبالطبع أثرت جائحة الكوفيد-19 بالإضافة الى الأزمة الروسية-الأوكرانية على الاقتصاد العالمي، مما دفع الطرفين لتعزيز هذا التعاون لمرحلة ما بعد الجائحة والأزمة التي القت بظلالها على العالم أجمع. وبالظرف الحالي تبحث الدول العربية عن شريك يهدف الى خلق بيئة أعمال مستقرة ويدعم التنمية المستدامة، وتستطيع الصين ملىء الفراغ الناشئ من سياسة الولايات المتحدة التي اغرقت المنطقة بالنزاعات والتقسيمات، خاصة مع رغبة الولايات المتحدة المعلنة سابقا بالانسحاب من المنطقة الخليجية بشكل خاص والعربية على العموم، وقد سارعت كل من جائحة الكوفيد-19 والنزاع الروسي الاوكراني بتوجيه بوصلة الولايات المتحدة باتجاه أوروبا (الحليف الاستراتيجي) وأيضا التركيز على اقتصاد الولايات المتحدة الذي يفقد زخمه ونموه ووصول معدلات الفائدة والبطالة لمستويات قياسية.

وتسعى الدول العربية لشريك استراتيجي يساعدها بتحقيق أهدافها التنموية والاقتصادية من خلال موائمة مبادرة الحزام والطريق بالرؤية المستقبلية التي تنتهجها، وبالمقابل تسعى الصين للانخراط في خطط تنفيذ المشاريع، بالإضافة الى تعزيز العلاقات مع الدول العربية المنتجة للنفط والتي توفر أكثر من ربع احتياجات الصين للطاقة. وأتوقع أن يكون هنالك تفاهم حول اتفاقيات شراكة استراتيجية ثنائية وجماعية مدعومة بقوة من جامعة الدول العربية وكافة الأعضاء، بالإضافة الى توقيع اتفاقية التجارة الحرة التي نوقشت سابقا بين ممثلي الدول الخليجية وممثلي الحكومة الصينية في بكين، وذلك لتحقيق الهدف الاسمى وهو تحقيق المصير العربي-الصيني المشترك ودعم الأهداف التنموية للطرفين وتحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي أيضا، وتجنب أزمات الغرب العسكرية المتكررة والتي تؤثر سلبا على الخطط التنموية والاقتصادية للطرفبن.

هذه العلاقات المميزة ادهرت في ظل مبادرة الحزام والطريق، حيث نجد أن حجم التجارة العربية-الصينية تضاعف اكثر من 150% منذ اطلاق المبادرة، وان العلاقة التجارية مستقرة وبنمو متطرد. وهو هدف المبادرة "المصير المشترك"، أي أن الأعضاء لديهم القدرة على بناء مجتمع يعتمد على التجارة والتعاون لتجنب النزاعات والأزمات، وأن الجميع رابح بتعاونهم مع بعضهم. بالإضافة الى ان المبادرة هي أساس لمستقبل من التعاون الذي يتحدى الاملاءات الغربية التي تهدف الى تعظيم أرباحها على حساب الأطراف الأضعف.

هذا التعاون بين تجاوز التوقعات، فعدد الأعضاء بلغ 60 دولة تمثل تقريبا 30% من دول العالم، بالإضافة الى العديد من المنظمات الدولية، ويمكن القول بأن المبادرة نداً بقوتها لمنظمة التجارة الحرة، وأيضا البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية المخصص للمبادرة اصبح ندا للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مما يعني أن هذه الدول الأعضاء مصيرها اصبح بيدها وليس مرهونة للدول الغربية.

وهنالك أهداف تساهم في تعزيز هذه العلاقة يجب على الطرفين التركيز عليها، فالدول العربية تبحث عن رأس المال والتكنولوجيا اللازمة لاحداث طفرة في تنويع اقتصادها، وتبحث عن شريك استراتيجي قادر على ملىء هذه الحاجة من الاستثمارات الأجنبية لتنويع اقتصادها ودعم نموها الاقتصادي، تستطيع الصين التعاون مع الدول العربية بتسهيل حركة رؤوس الأموال الصينية باتجاه الدول العربية، وأيضا على الدول العربية خلق بيئة استثمارية مناسبة لهذه الاستثمارات. هذا التكامل يصب بمصلحة الطرفين ويعزز الاقتصاد الكلي للدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي، وأيضا للصين التي ستتعاظم أرباحها من خلال هذا الاستثمارات.

ختاما، يجب دفع هذه العلاقات لمستويات أعلى من التعاون، فالعلاقة التجارية والاقتصادية والثقافية ليست لحظية بين الامتين فالصين الشريك التجاري الأول للدول العربية، وبنفس الوقت تعتبر الدول العربية المصدرة للنفط المصدر الأول للطاقة للطرف الصيني، ويمكن تعزيز هذه العلاقة بانشاء منطقة تجارة حرة لدعم التجارة بين الطرفين وتنويع الاقتصاد الخليجي والعربي، والذي يعتبر من ضمن أهم الأهداف الاقتصادية. كما من الممكن تعزيز جوانب الدفاع العسكرية، حيث تركز الأمتين على حماية سيادتهما الوطنية وليست لديهما أهداف توسعية مثل الدول الغربية. كما أن دول الخليج تبحث عن شريك استراتيجي لتعزيز قوتها الدفاعية في ظل الاعتداء المتكرر الذي تشهده من المليشيات الحوثية، والتي غالبا ما تستهدف منشأت الطاقة (النفط والغاز) في المنطقة مما يؤثر سلبا على امدادات النفط والغاز العالمية.

كما أن الجانب الثقافي مهم جدا في عملية التعريف بالثقافتين العربية والصينية، ومن الممكن تعزيز هذا الجانب بالمزيد من المنح الدراسية والدورات التدريبية التي انخفضت بشكل واضح منذ بداية جائحة الكوفيد-19. بالإضافة الى تعزيز التعاون في مجال ادارة الأزمات، فالأمتين تعرضوا للعديد من الازمات خاصة خلال الأعوام القليلة الماضية، وكان واضحا تحيز الاعلام الغربي ضد مصالح الامتين، وتشكيل الرأي العالمي لما يخدم مصالح الغرب. ويمكن ذلك من خلال تشكيل مجلس اعلى للاعلام من خلال الصحفيين والاصدقاء بين الطرفين يمكن أن يشكل نواة للرد على الاعلام الغربي في القضايا العالمية والإقليمية والمحلية التي تهم العالم. وأخيرا، اعتماد اليوان من اجل مدفوعات الطاقة، والذي من شأنه أن يعزز العلاقات بين الطرفين، فالصين تطمح لزيادة سيولة عملتها في السوق المالية العالمية والذي من دوره زيادة التكامل الاقتصادي مع الدول العربية المنتجة للنفط.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير