ديماغوجية الرئيس الكاشفة ..
باسل العكور
جو 24 :
يبدو ان علينا ان نراجع كل معارفنا وما درسناه في امهات الكتب اليوم ، حتى نهضم ما يقوله الرسميون في بلادنا، حتى نتعايش مع كل هذه المغالطات والتضليل وعمليات التزوير ولي الحقائق وقلبها رأسا على عقب ..
ما كل هذه الجلبة والاستعدادات وخلط الاوراق؟ واضح ان المطالبات بملكية دستورية وحكومة برلمانية حزبية تعبر عن الاغلبية النيابية، دفعت السلطة المتفردة بالحكم والقرار باستنفار كل ادواتها لتفريغ هذه العملية الدستورية من مضمونها، حتى تستحيل هذه العملية -هذا الاستحقاق- لفصل جديد من فصول الالتفاف على الاصلاح، والابقاء على كل الصلاحيات بيدها دون منازع؟!!
يحترفون التضليل والتعمية وخلط الاوراق، وتوظيف التناقضات والمخاوف والهواجس لمصلحتهم، فما علاقة حماية الاقلية، واحترام الديمغرافية وتمكين الشباب والتجاذبات العقائدية، بتعديلات دستورية، تنقلب على الدستور وتنسف قواعده، وتركز السلطة كلها بيد الملك، بعيدا عن رقابة الشعب بكل مكوناته؟!!
لماذا يتعاملون مع الاحزاب السياسية على انها خطر محدق على امن الوطن الداخلي والخارجي وعلى استقرار النظام السياسي، ويقولون بنفس الوقت بانهم يريدون احزابا سياسية قوية لها امتداد جماهيري واسع وقادرة على الوصول للسلطة؟!! تناقض يشي بانهم يريدون هياكل حزبية مصمتة لا تمارس من السلطة الا ما يتصل بخدمات يقدمها مجلس بلدي في قرية طرفية نائية...
ثم، ما معنى تشكيل مجلس امن وطني يتفرد بجميع الصلاحيات؟!، فعندما تقول وزيرة الشؤون القانونية وفاء بني مصطفى في تصريحات صحفية على شاشة محطة رسمية: "ان وظيفة هذا المجلس رسم السياسات والاستشارات ورسم الاستراتيجيات المتعلقة بالدفاع عن الاردن خارجيا وحفظ الامن الداخلي و مكافحة الارهاب، وسيكون له دور مهم واساسي في موضوع السياسة الخارجية"، وتقول ايضا "ان المجلس ليس تابعا لرئاسة الوزراء وكل الاشخاص الموجودين فيه تنفيذيين، وانه سيكون ضامن لتحييد ملفي الامن الداخلي والخارجي والسياسة الخارجية عن اي تجاذبات حزبية"، في هذه الحالة، ما الذي تبقى من ادوار وصلاحيات للحكومات الحزبية اذا؟!!
نعود لردود رئيس الوزراء بشر الخصاونة في مجلس النواب اليوم على الاسئلة التي طرحت من قبل عدد من النواب وهم يناقشون التعديلات الدستورية التي اقرتها الحكومة واللجنة الملكية لتطوير المنظومة السياسية، وهنا نعلق باقتضاب شديد كوننا لا نظن ان ما قاله يستحق تحليلا وتعليقا مطولا تفصيليا:
ـ الرئيس قال ان صياغة قانون الانتخاب راعت التركيبة الديمغرافية، وهي الحقيقة التي لم توردها اللجنة الملكية لتطوير المنظومة السياسية في تبريرها لاقرار هذه الصيغة..
ـ الرئيس اعترف ايضا بان الحكومة التزمت بالتوجيه الملكي الذي فهمت منه انها ستقدم مخرجات اللجنة الملكية لمجلس النواب دون تغيير، وهو بذلك يحمل الملك كامل المسؤولية، ويتنازل طوعا عن ولايته لصالح لجنة معينة..
- الرئيس قال ايضا بان حكومته لم تنقلب على الدستور، وهذه مغالطة كبيرة وواضحة، فعندما تضع قواعد دستورية جديدة تخالف روح الدستور وقواعده واساساته، التي ترتكز على قاعدة ان النظام السياسي في بلادنا نيابي ملكي، وتضع قواعد تنقل صلاحيات السلطة التنفيذية الى مجلس معين، لا يعبر عن الاغلبية النيابية وخارج ولايتها، وتركز الصلاحيات كلها بيد هذا المجلس الجديد المستحدث، الا يعتبر هذا انقلابا على الدستور؟!!
- الرئيس قال "ان حكومته تتصدى لمهمة تقديم تشريعات تحمي المجتمع واقلياته وكل مكوناته وتبعدنا عن اتون التجاذبات العقارية التي تفرض بها الاغلبية ارائها على المجتمع، كما تحمي مؤسسات الوطن الاساسية او القضايا المحورية من التجاذبات"، وبذلك يدخلنا الرئيس في الحائط ، اليست الديمقراطية هي حكم الاغلبية، الا تعني ان هذه الاغلبية ستحكم وفق ارائها واتجاهاتها ورؤيتها، يبدو ان الرئيس لديه نظرية جديدة في الحكم الديمقراطي، مفادها ان السلطة المعينة، مطالبة بحماية الناس من الاغلبية التي تختارها بنفسها، اي عبث هذا، واي اختلال مفاهيمي هذا الذي يريدوننا ان نقبله ونتصالح معه ونتعايش وفقه.. والله هذا كثير..
ويبقى هنا ان نسأل :هل سيشارك مجلس الامة هذه المرة ايضا ، في تعطيل نفسه والغاء دوره وصلاحياته ووصايته وولايته، لصالح هذا المجلس المستحدث، هل سيسمح بهذا الانقلاب العميق على دستورنا، كما حدث في الاعوام ٢٠١٤،٢٠١٦ ؟!!