اليس لهذا الظلم من آخر
ويستمر ليل المعذبين في الشام مليئا بالأحداث والمفاجئات وقد أرخى سدوله ، وبعد أن كان ليل السهارى من العبّاد والزّهّاد وتجمع الأشقاء والأصدقاء ، أصبح ملاذا لطلاب الحرية يتجمعون فيه يغنون للكرامة ويهتفون للعزة ويطالبون بالحرية التي سلبت منهم يوم ارتضوا أن يحكمهم فرد مهما كانت قدراته ، وقبلوا أن يصل حكامهم على ظهر دبابة وبعد أن تستتب لهم الأمور يبدلون بدلاتهم العسكرية بملابس مدنية وربطات عنق فاخرة . محتفظين في نفس الوقت برتبهم وبزّاتهم ليوم حاجة ، وأنّى للإنسان أن يغير جلده أو مسلكه أو ما ربّي عليه .
عام ونيّف وسماء سوريا ملبد بغيوم قاتمة ، وأرضها المباركة قد رويت بدماء طاهرة زكية لرجال ونساء وأطفال من مختلف الأعمار . والأشلاء والأجزاء المدفونة أنبتت ورودا وأشجارا كُتب على أوراقها " يلي بيقتل شعبه خاين " . وتوشك أن تزهر حبا و سلاما وكرامة وحرية . دفع مهرها الطفل الصغير الذي هرع إلى حضن أمه طلبا للأمن عند اقتحام منزلهم . فقتلوه بالتقسيط . حين قتلوا أباه وإخوانه ومثّلوا بجثثهم أمام ناظريه ولم يبق له إلا حضن أمه يحتمي به ، فاستكثروا عليه ذلك ، فقتلوها بدم بارد ثم أخذتهم الشفقة فرحموه من مكابدة الحياة وحيدا فأجهزوا عليه .
لقد طال ليل الشام ، بلد بني أميّة وسيف الله المسلول ، درّة الشرق وبلد الخيرات والعلماء . ولا بد لليل من آخر . وأشد ظلمة الليل آخره وسيعقبه نور الصباح . فالنصر صبر ساعة ، ولقد قدم السوريون من التضحيات ما يفوق كل تصور ، وهم صابرون محتسبون ، فالجود بالنفس أقصى غاية الجود . فقد دفعوا مقدم الصداق . مهرا للحرية وثمنا لحياة أفضل . كي يشعروا بإنسانيتهم ويعيشوا أسيادا في بلدهم أحرارا كما ولدتهم أمهاتهم .
أن الظلم والعسف الذي ذاقه الشعب السوري لا يحتمل . ويحدث ذلك على مرأى ومسمع ما يسمى بالعالم الحر الذي اكتفى بإصدار البيانات وإطلاق التهديدات والمبادرات التي أصبحت مظلة لمزيد من القتل والدمار . والدول العربية متباينة المواقف فلكل بلد حساباته ، وحال الجامعة العربية كحال دولها بل أشد عجزا وأكثر ضعفا .
ورغم عظم التضحيات على امتداد الجغرافيا والديموغرافيا والصبر الذي فاق كل حد والظلم الذي تجاوز كل الحدود فسيكون له نهاية قريبة بإذن الله ويومئذ يفرح السوريون وأحرار العالم بنصر الله . ليعود صباح فخري بصوته الرخيم ينادي على مال الشام . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .