jo24_banner
jo24_banner

سؤال الحرية عند الإسلاميين

جهاد المحيسن
جو 24 : لم يطرح الإسلاميون في الحالتين التونسية والمصرية سؤال الحرية وفق رؤية تنبع من طبيعة التغيرات المجتمعية. ويحاول التيار السياسي الإسلامي في عنفوانه الحالي الهروب من الحديث عن هذا المفهوم الذي يشكل أحد أهم الأسئلة الإنسانية التي تبحث عن إجابات، وتزداد قيمة هذا السؤال وجذريته في الفكر والواقع العربيين اللذين طرحا شعارات الحرية في الشارع بعد قرون من القهر والاستبداد، حيث بقيت الحرية شعارا يقدم في سياقات عاطفية حماسية أو أيديولوجية موجهة، دون الانشغال بمحاولة فهم جادة لهذا المفهوم.
هذه الحال تتسبب في الكثير من التشويش والضبابية. فمن جهة، يبدو مفهوم الحرية عدوا لدى أغلب التيارات التقليدية، ومنها الإسلامية، بوصفه مفهوما واردا غريبا يعني الانحلال والرذيلة، وليس سوى حجة ترددها التيارات التغريبية، من أجل إفساد المجتمعات العربية المسلمة!
ومن جهة أخرى، تبدو الحرية شعارا للتيارات الليبرالية والقومية واليسارية، دون أن تهتم بالتأسيس الفلسفي لهذا المفهوم، أو حتى أن تستطيع كبح عنفوانها دون تجاوز واختراق حريات الأفراد والتيارات المخالفة لها، بحيث إن معدلات اختراق الحريات وحقوق الأفراد سجلت في فترات استلام هذه التيارات السلطة أرقاما تجاوزت سابقيها.
هل يبدو مفهوم الحرية بديهيا، ينبع من عمق الإنسان ويشعر به مباشرة؟ هل هي تلك القدرة على الاختيار والقرار المستقل؟ هل هي امتلاك الإنسان لتدبير شؤونه؟ هذا هو المفهوم الأول للحرية؛ المفهوم البدائي الذي يقابل تماما مفهوم العبودية. أي إن الحر هو من ليس بعبد، أي من لا يباع ولا يشترى. لكن الأمور اليوم أعقد من هذا بكثير. فالفرد يعيش وسط عدد كبير من السلطات، كلها تسعى إلى أن تمارس سلطتها من خلاله. والفرد اليوم يعيش في دولة وفي مجتمع متعدد ومتنوع ومزدحم. إن الحرية اليوم هي بحث في علاقة الفرد مع كل ما يحيط به، إنها فهم لحدوده ومساحاته الخاصة، وهي أيضا تحديد دقيق للدوائر التي تحكم المجالين العام والخاص؛ أين تبدأ وتنتهي دائرة حريتي، وما هو الحل حين تحتك دائرتي مع آخرين أو تبدو أنها كذلك؟ لا تبدو هذه الحدود بديهية أو مرعية من قبل الناس، بل على العكس فقد احتاج الإنسان بفكره السياسي إلى الكثير من الوقت والجهد المضاعف للوصول إلى صيغة معقولة تحفظ للإنسان حدود حريته الخاصة وتنظّم علاقته مع من حوله وتحمي كل هذا.
فالتاريخ مليء بالصور البشعة من انتهاكات قيمة الإنسان ومعناه، ويبدو هذا الأمر في أقسى صوره في العبودية وتملك الناس وبيعهم وشرائهم. وقد احتاج الإنسان وقتا طويلا جدا لكي يدرك أن هذا ظلم، وأن يطوي هذه الصفحة السوداء. إلا أن الأمور لم تنقلب بيضاء مباشرة؛ فالعبودية وإن كانت انتهت بصورتها المباشرة الصارخة، إلا أنها استمرت بأشكال مختلفة؛ فمن عبودية الفرد للفرد انتقل الإنسان إلى عبودية الفرد للجماعة وعبودية الفرد للدولة وعبودية الفرد للحاكم.
ونخشى أن يعاد إنتاج مفهوم العبودية عبر اللهاث وراء السلطة، من خلال الحديث عن الخصوصيات الدينية والمحلية التي هي بذاتها في حركة كونية مستمرة.
الغد
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير