أحمد الأزايدة المهندس الذي أخذته الدعوة والسياسة
مر الاربعاء 20/6 الذكرى العشرين لانتقال المرحوم أحمد قطيش الأزايدة إلى جوار ربه . ولقد ترددت كثيرا قبل أن أكتب عن هذا الرجل . فلست أفضل من يكتب عنه ، ثم لأن الكتابة عن شخص بحجم أحمد قطيش الأزايدة أمر صعب ، فارتجف قلبي قبل أن يرتجف قلمي . ولكنه الوفاء ورد جزء من الجميل فعسى أن نظفر بدعاء من أخ في ظهر الغيب . متمنيا على الله سبحانه أن يكون قد أكرم وفادته وجعله من خاصة أولياءه فنطمع أن يشفع لنا وعسى أن تشملنا جميعا شفاعة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ونجتمع على حوضه الشريف فنشرب شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا .
ما بين مولده ووفاته لم يكن وقتا طويلا ، فقد انتقل إلى جوار ربه وهو في منتصف الأربعين من عمره .فقد ولد عام 1948 وتوفي عام 1992 ومع ذلك فقد بارك الله في عمره فكان حافلا بعطاء ونشاط يحتاج إلى أضعاف عمره . وكأنه كان يدرك أن حياته ستكون قصيرة ، فكان يردد دائما الآية " وعجلت إليك ربي لترضى " . لذلك كان وقته كله مشغولا للعمل العام والدعوة . فقد جاب الأردن مدنه ونواديه ومنتدياته ومدارسه وجامعاته محاضرا ومحاورا ومشاركا وزائرا ومهنئا .
أُعجب بفكر الأمام حسن البنا وأسرته شخصيته وسيرته فكان أكثر الناس تمثّلا به . يحرص على الحديث عن رسائله شارحا وموضحا ومستشهدا . آمن بالإسلام الوسطي المعتدل ، الذي يقبل الأخر ويتعاون معه ويبحث عن المشترك ونقاط الالتقاء . يؤمن أن الوطن للجميع يجب أن يتعاونوا لرفعته والنهوض به وحل مشاكله . كان لا يعادي أحدا ، بسيطا متواضعا كريما، يحسن الاستماع فإذا تكلم كان كلامه دررا يضع الكلمة في موضعها . لذلك لم يكن مستغربا أن يبكيه الكبار والصغار وفي مقدمة هؤلاء أهل مأدبا بجميع طوائفها الذين اختاروه دورتين متتاليتين لرئاسة بلديتهم . واختاروه مرة أخرى نائبا عن اللواء في انتخابات عام 1989 وبأعلى الأصوات .
وعندما ابتلاه الله سبحانه بالمرض كان مثال الإنسان المحتسب الصابر الذي لا يشكو من الله إلا إليه . وكانت الفترة بين اكتشاف المرض ورحلة العلاج قصيرة ولكنها شاقة . وبعد عودته من بريطانيا وقد بقي ثلث معدته ، فكان يقول لمن سأله لقد بقي الثلث والثلث كثير . إلا أن المرض كان قد تمكن منه فكان يذوي كالوردة أو الشمعة ، ومع ذلك كان طوال مرضه يسأل عن أخبار الناس بأسمائهم مهتما بالجميع ويتابع أحداث الساعة وأخبار فلسطين والعراق والعالم .
من أنجب تلامذته ومريديه وأكثرهم قربا إلى قلبه كان الأخ عماد جميل أبو دية أطال الله في عمره وهو من أكثر الناس شبها به فكرا ونشاطا وفهما . ومن محبته له اختاره ليكون رفيقه في رحلة العلاج إلى لندن . وفي فترة المرض الأخيرة وكان رحمه الله في حالة حرجة رزق الله سبحانه الأخ عماد بمولود أسماه أحمد حفظه الله . وأيضا الأستاذ سالم الفلاحات بارك الله في عمره والذي كان قريبا إلى قلبه وفكره وكأنهما شخص واحد . ولا يسعني إلا أن أشكر الأستاذ فاروق بدران أبو عمر أطال الله في عمره والذي كتب كتابا جمع فيه مذكراته بعنوان مواقف وآثار أحمد قطيش الأزايدة .
أما زوجته الفاضلة أم بلال فقد قال عنها في مذكراته ، في الحقيقة فاني أتوق إلى تسجيل شيء عن حياتي الزوجية والتي إذا وصفتها بالمثالية والوفية لا أظن أكون قد وفيتها حقها . لقد كانت متفانية وكنت أشعر أن الله أكرمني بالزواج منها . ومن أعجب ما فيها أنها كانت تلاحظ وبدقة شديدة طريقة كلامي وما وراء الكلمات وتقاطيع وجهي فتدرك بإحساسها أحوالي وما أشعر به ، وكان توارد الخواطر بيننا يجعلنا ننطق بكلمة واحدة وفي نفس الوقت عند محادثتنا . لقد قامت بعبء كبير في آخر عشر سنوات يعجز عنه عشر نساء دون أن تشتكي أسأل الله أن يجزيها خير الجزاء .
أما أبناؤه فكان له من الأبناء ثمانية ، ثلاث إناث وخمس ذكور وهم بالترتيب : بلال ، أنس ، أسماء ، أسامة ، نسيبة ، براء ، يوسف وإشراق حفظهم الله .لقد كان رحمه الله يكتب الشعر النبطي وقد ذكر زوجته وأبناءه ووصف رحلته المرضية والعلاجية . رحمه الله رحمة واسعة وأحسن إليه وألحقنا به وبالصالحين وجمعنا مع المصطفي في ظل عرش الرحمن .