شيركيسيا ما بين الحلم و الواقع
محمد عودة
جو 24 : في 21 مايو الجاري يستذكر العالم بألم عميق الذكرى 150 على نهاية الحرب القوقازية . هذه الحرب التي تعتبر من أكثر الحروب قسوة و وحشية على مر العصور ليس فقط في تاريخ الشعب الشركسي ، بل في تاريخ البشرية جمعاء، و التي أدت إلى عواقب سياسية و ديموغرافية واسعة النطاق لم تمحى اثارها لغاية الأن. حتى و بعد مرور 150 عاماً على إنتهاء تلك الحرب اللعينة ، لم يفقد هذا الحدث أهميته أبداً و لم ينسى العالم مدى الظلم و فظاعة ماتعرض له ذلك الشعب الشجاع من قتل و ترويع و تهجير، خاصة و بأنه من الصعب على أيٍ كان في وقتنا الحاضر أن يتقبل و يتفهم ما حدث آنذاك، فعلاقة الإنسان بالماضي دائماً ما اكتسبت أهمية و منحنى خاص يبني من خلالها الفرد علاقته بالحاضر. و عليه اثبت خبراء السياسة الحديثة بأنه و من خلال التلاعب في تاريخ الشعوب، استطاعت الدول الكبرى السيطرة على أمم بأكملها ، و إيقاد شعلة الصراعات و إخمادها متى شاءوا فقط لتحقيق مصالحها الشخصية هنا او هناك، و هذا بالضبط ما يحصل حالياً مع الشعب الشركسي و محاولة البعض إستخدامهم كورقة ضغط لا اكثر. كما تفعل جورجيا الأن، فالكل يعلم ان المركز الثقافي الشركسي في العاصمة الجورجية "تبليسي" هو الان تحت السيطرة المباشرة من رئيسها اندرو غابيسونيا و الذي يعمل تحت غطاء و دعم مالي سخي من مؤسسة امريكية تدعى" جيمس تاون " هذه المؤسسة التي تبنت فكرة إنشاء جمهورية شركسية ذاتية الحكم في منطقة " دجيكيتي" . و هذا هو الاسم التاريخي لهذه لمنطقة و التي تقع بين نهري " بسو و بزيبي" و في جمهورية أبخازيا تحديداً . من أجل هذا يحاول الخبراء الجورجيون و الأمريكيون إثبات أن الابخاز لم يعيشوا ابداً على هذا الجزء من الأرض، و بأن الشركس حصراً هم الذين سكنوا تلك المنطقة و التي كانت جزءاً من القيصرية الجورجية آنذاك.في الواقع، فإن الخبراء الجورجيون يعملون على إضفاء الشرعية على مشروعهم هذا من خلال الرجوع للتاريخ نفسه الذي شهد على مشاركة أمراء جورجيا في المذابح ضد الشركس و لكن السلطات الجورجية نسيت او تناست بأن جورجيا سعت وساعدت الإمبراطورية الروسية في تعزيز مواقعها في منطقة القوقاز، فقبل و بعد دخول الجيش العثماني للقوقاز كان الألاف من الضباط الجورجيين يخدمون في صفوف الجيش الروسي، و الذي حارب بدوره ضد الشركس، فالعاصمة الجورجية كانت تحتضن القيادة العامة لأركان القوات الجورجية . و الجدير بالذكر أنه بعد نهاية الحرب القوقازية في عام 1864، اشار زعيم النبلاء الجورجيين، "ديمتري إيفانوفيتش كيبياني" في خطابه للشعب الجورجي على أهمية انتصار الإمبراطورية الروسية، و التي في رأيه، من شأنه أن يعزز قوة دولتهم و تجعلهم يتفادون المزيد من هجمات المقاتلين الشركس على الأراضي الجورجية!. فلذلك تحاول جورجيا دوماً التقرب من الشركس ، وعلى النقيض تماماً تسعى لشق الصف بين الشركس و الأبخاز و طمس الروابط التاريخية والثقافية المشتركة بينهما في محاولات لتأليب الرأي الشركسي العام ضد سوخومي، حتى يحدث الصدام الشركسي-الشركسي المباشر و تكون الفرصة قد سنحت لتبليسي لكي تسترجع الاراضي التي انفصلت عنها، فهل تستطيع جورجيا ان تجعل من الشركس ورقة مساومة في لعبة جيواستراتيجية كبيرة ؟نعم تستطيع، فهذه ليست المرة الأولى التي سعت فيها جورجيا للوقيعة بين الأبخاز والشركس. ففي يونيو 2013 و في مبنى البرلمان الأوروبي /بروكسل و في إطار برنامج "اليوم الشركسي" عقد مؤتمر تحت عنوان "أبخازيا وأوروبا - الطريق إلى التفاهم والتقارب." وقد كان هذا أول مؤتمر يعنى بالشان الابخازي على المستوى العالمي و الذي تلقى ردوداً إيجابية كثيرة من الأوروبيين حينها, لم تلقى مبادرة رئيس الاتحاد الشركسي الأوروبي "يوروخاسة" "ادميرال ديزديميرا" لإعطاء الوفد الأبخازي الكلمة في المؤتمر الحماس و التشجيع من قبل الوفد الشركسي لا و بل اعتبروا ذلك انقلاباً عليهم و العمل ضدهم و ضد القضية الشركسية و بأن الوفد الأبخازي سرق فعاليات اليوم الشركسي منهم على حسب قولهم, طبعاً بتحريض مباشر من الوفد الجورجي الذي شارك أيضاً في المؤتمر.و ما يبدو مثيراً للاهتمام بأن هذه الحقائق و الوقائع بدأت فقط بالظهور الأن . بينما تستعد المجتمعات الشركسية في العالم في التحضير لإستذكار تلك الأحداث المأساوية التي عاشها أجدادهم و ما زالوا هم انفسهم يعيشون تبعاتها الى الأن .كل هذه المناورات من الحاخام ابراهام و مجموعته و الذين لا تربطهم أية علاقة بتلك الأحداث التاريخية هي فقط محاولات منهم لزعزعة القضية الشركسية ، وتقديم المجتمع الشركسي في الشتات كمجتمع راديكالي، يحاول استعادة أراضيه التاريخية في بقاع مختلفة من الارض بشتى الأساليب المشروعة و الغير مشروعة . فلن يكون من الغريب لو سمعنا يوماً بأن الحاخام و مجموعته أعلنوا عن انشاء الدولة الشركسية بالقرب من البيت الأبيض في واشنطن ..حينها سيقوم الخبراء الجورجيون بالبحث تحت الأساسات عن احفوريات و خرائط توكد صحة ما يدعون.الم يحن الوقت اخيراً لتتوقف عن العيش في عالم الخيال و تعلم سماع صوت الاخر والتفكير في كيفية البدء في حوار بناء و هادف يمهد لبناء مرحلة جديدة تشمل جميع أطراف القضية و التحدث بوجهة نظر دبلوماسية و عملية ،و الجلوس اخيراً على طاولة الحوار لوضع النقاط على الحروف وليس فقط كيل الاتهامات من جانب واحد؟!..