2024-05-22 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

التمكين والاستقلال

زكي بني ارشيد
جو 24 : التمكين هو المصطلح الجاذب الذي يستهوي الجميع ويستخدمه المتعارضون والمتناقضون, والمفارقة ايضا انهم لا يختلفون في مضامينه او دلالاته, واكثر من ذلك فالجلسون على منصة الحكم يفرطون في استخدامه ويبالغون في الحديث عنه اكثر من المعارضة المتربصة على رصيف الشارع السياسي.

تتعدد الرؤى وتتنوع البرامج التي يتنافس اصحابها بدعوى "التمكين" ورفعة المجتمع وخدمة المواطنين, وليس مطلوبا من تلك النخب التي استغرقت بفلسفة الاصلاح ومن اين يبدأ؟ ان تبتكر العجلة من جديد, وليس شرطا لاحداث النهضة والتقدم امتلاك الثروات الهائلة والامكانات الوافرة, فالحضارة المنشودة والتنمية المفقودة تتحقق في اللحظة التي نمتلك فيها الارادة الجادة القادرة على تحريرنا من سطوة التبعية والرق السياسي, ليس هذا كافياً لان الجمع الكلي يدَعي وصلا بالتحرر والاستقلال, فيما يُختصر معنى الاستقلال ومبناه باستعراضات شكلية, واحتفالات غنائية وقصائد شعرية وبرامج فلوكلورية ومظاهر تراثية, ومع هذا الصخب وتلك المزايدات في حب الوطن والولاء والانتماء يستمر مسلسل النزف المتدفق من شرايين الوطن نحو مصارف العبث والفساد.

الاستقلال حلم الشعوب المقهورة, والتحرر غاية تسعى لنيلها المجتمعات ويُقدم من اجلها قوافل الشهداء وعظيم التضحيات, لا من اجل دحر الاحتلال فقط, وانما لرفع الوصاية بكل انواعها عن الشعب وتمكينه من نيل حريته واختبار ارادته واختيار قيادته, ولاجل ان يحيا المواطن:

" آمناً في سربه معافاً في بدنه حائزاً قوت يومه", انه "ألامن الاقتصادي والصحي والتعليمي والسلم المجتمعي والتداول السياسي" وهي ذات الدلالة للتمكين.

في قراءة سريعة عن ألامن المنشود؟ وعن الكفاية المعيشة للمواطنين؟ وما يتفرع عن هذا السؤال من فقر وبطالة وحرمان وظلم وتعسف وفساد وأستبداد واستئثار واحتكار السلطة والنفوذ لأسر الاقطاع السياسي مع اقصاء الغالبية العظمى من الشعب المطحون بلهيب الاسعار وتواضع المداخيل, ولا يغيب عن النظر ذاك الازدياد المضطرد للمديونية والعجز المستمر.

يطرح المفكرون ارئهم والادباء والكتاب افكارهم والسياسيون برامجهم وتبقى حبيسة الرفوف السياسية والادراج السلطوية والمخازن الادارية, فما الفائدة اذا من اشغال الراي العام بمسلسل طويل وممل من المعلقات التي تتاجر بالاصلاح المحدد حصرياً بكلمة تقال او شعار يرفع او مبادرة تطرح, فلا معنى ان يترنم المصلحون بترتيل اسفار الحرية بينما يقبع المواطن تحت قهر الذل وامتهان الكرامة ورعب أمن الدولة، لا معنى للتنمية - المستدامة او غير المستدامة – اذا بقي الفقر والحرمان, ولا قيمة للعدالة اذا لم يلمسها المواطنون بوجدانهم، ولا معنى للامن اذا لم يحياه الناس في اوطانهم.

نختصر الزمن ونقلل الاثمان على انفسنا وعلى مجتمعاتنا عندما نحدد اين تكمن مصلحة الوطن؟ ونسعى لتحقيقها وارساء قواعدها, وعندما ناخذ على يد العابثين ونمنعهم من التمادي والاستغراق في ضلالات الفساد ومسارات الاستبداد, عندما تتظافر القوى المدنية ومؤسسات المجتمع الاهلي لتنهض بدورها في مواجهة الشد العكسي الظلامي الذي يقودنا نحو الهاوية والدولة الفاشلة, بدعاوى باطلة ومكشوفة كي يبقى الفساد والافساد هو المتحكم الوحيد في مصائر الشعوب

على عاتق الجميع مسئولية تاريخية وادبية واخلاقية فلا نهضة دون مشاركة ولا بناء دون توافق ، والايام تمضي مسرعة ولا تنتظر احدا, والفرصة متاحة للجميع ليتنافس المتنافسون ويتسابق اهل السبق ..

سنصل الى محطتنا التي نريد عندما تتمكن جميع مكونات المجتمع من المطالبة بحقوقها دون خوف او وجل, وعندما نحصل على حقوقنا بالتعليم والعلاج والسكن الكريم والحرية والكرامة وعندما تتشابك الايدي لبناء المستقبل عندها يشعر الاباء بان غد ابنائهم خير من يومهم ..
اقول قولي هذا وقبل ان اختم مقالي بالدعوة لغدٍ اجمل ، تتحقق فيه احلامنا, ونصرف جهدنا في البناء ، ونمضي معا للتمكين الحقيقي وعندها سيكون للاستقلال طعم احلى ونكهة ازكى...واستغفر الله لي ولكم

والحمد لله رب العالمين
تابعو الأردن 24 على google news