أسرار داعش
إن الإسراع الدولي في التبرئة من داعش، وإعلانها جماعة إرهابية، يعطي مدلولا على أن هذا التنظيم تقف وراءه قوى ذات قدرات اقتصادية كبيرة، وهذا الاستنتاج يمكن الوصول إليه من توفر الأسلحة والذخائر للتنظيم طيلة الفترة التي مارس خلالها نشاطه العسكري، فعمليات التزويد للأسلحة والذخائر تحتاج إلى استراتيجيات مهمة، متعلق جزء كبير منها بالإمكانيات المالية، التي تدفع ثمنا لهذه المواد، وأيضا تكاليف النقل لهذه المواد وتوصيلها للمواقع القتالية، وهي بحاجة أيضا إلى مستودعات وآليات تخزين وإمداد مستمر.
كما أن هذه الأسلحة والذخائر يستبعد تأمينها بشكل مباشر ووحيد من مستودعات ومخازن الأسلحة، العائدة للجيش السوري والجيش العراقي، لسبب مهم وهو أن المنطقة التي ينتشر بها تنظيم داعش حاليا، والتي تشكل أجزاء من شمال غرب العراق وشرق سوريا، تمثل مناطق أقليات في كل من سوريا والعراق أصلا، وبذلك فهي ليست مناطق ذات خطر على الأمن الوطني لكلا البلدين، حتى يتم تخزين الأسلحة والذخائر في المعسكرات التابعة لهم فيها، خشية أي مواجهات طارئة مع السكان في هذه المناطق.
وهذا الأمر يؤدي إلى تنامي الشكوك حول آلية تزويد مستمرة للتنظيم بالذخائر والأسلحة من قبل حليف قوي لهذا التنظيم، ومن المؤكد لن يكون هذا الحليف سوى جهاز استخباري دولي، قادر على تقديم الدعم اللوجستي والمادي للتنظيم، ليكون هذا التنظيم قادر على البقاء والصمود، والاستمرار في التحرك العسكري، مع الاحتفاظ بمخزون استراتيجي يسهم في إنجاح المشهد الأخير من مسلسل التظليل على تورط دول بعينها في دعم هذا التنظيم، الذي وجد أصلا ليشوه صورة الجماعات الإسلامية خصوصا.
ومما يدعو للشك حول هذا التنظيم هو أيضا مكان انتشاره، فالمنطقة التي يبسط التنظيم عليها سيطرته تكاد تكون منطقة خالية من المسلمين العرب السنة، أي انه لم ينشأ في حاضنة سنية تعزز وجوده، وإنما يكتفي في صموده على الأفراد المقاتلين، وعلى التزويد والإمداد العسكري من جهة، وعلى ارتكاب الجرائم بحق الأقليات من جهة أخرى، بل إن المنطقة التي ينتشر بها تنظيم داعش، هي مناطق تقطنها الجماعات الكردية، والأقلية اليزيدية، وبعض الأقليات المسيحية، ووجود تنظيم داعش في تلك المنطقة وتنكيله بهذه الطوائف، يسهم بشكل كبير بخدمة الهدف الأساسي غير المعلن لتنظيم داعش، وهو تشويه صورة الجماعات الجهادية الإسلامية، وهذا الهدف الذي تعمل عليه داعش، يخدم بعض الأنظمة العربية القائمة حاليا، قبل أن يخدم أي دولة خارج منظومة الدول الإسلامية.
فتشويه صورة الجماعات الإسلامية، سيمكن القيادات العربية التي تقف في وجه الإصلاح السياسي والاقتصادي، من استثمار انخراط داعش بالأعمال الإجرامية، التي تقوم بها لعكس الصورة على باقي الجماعات الإسلامية الإصلاحية، وترهيب المواطن من خطر الإسلام السياسي، والشاهد لديهم هو ما يقوم به أفراد تنظيم داعش الذي يدعي انه التنظيم الذي سيحمي راية الحق والدين.
فصمود داعش واستمرار تزويدها بالعتاد والأسلحة، وارتكابها لأعمال إجرامية باسم الدين، يخدم فقط أصحاب العروش التي تحارب الإسلام وأهله، وان كانوا يلبسون عباءة الإسلام، ويدعون أنهم هم أنصاره، ورغم الشكوك بأنهم هم أيضا من يقف وراء داعش ويدعمها.