2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

مع امتحانات الثانوية العامة .. يستمر الكابوس

فيصل تايه
جو 24 :

كنت أتمنى أن اكتب مقالتي هذه بشكل مختلف بعد انقضاء عام كامل على مقالتي المتعلقة بنفس الموضوع والتي تحدثت بها عن ذات المسلسل المتكرر بشخوصه وأحداثه ووقائعه والمستهدف لذات الضحايا من أبنائنا طلاب الثانوية العامة .. وها أنا أعيد نفس العبارات التي لم ولن أجد غيرها لتكرار الحديث عن الموضوع إياه .. ولكن يبدوا أن القائمين على ذلك لم يبتكروا سيناريو تراجيدي من نوع جديد لتضاف إلى عناصر الملحمة التراجيدية لان البطل التراجيدي تستهويه شهوة النجاح من أجل النجاح وبأي ثمن كان .


ففي الوقت الذي تستمر فيه وزارة التربية والتعليم خوض الجولة الثانية من امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي 2012م .. تعيش كثير من الأسر الأردنية - وأنا وأسرتي منهم - حالة طوارئ وجوٍ من التوتر.. لتوفر لأبنائها جواً دراسياً مناسباً من اجل مستقبل واعد في ديمومة الحياة المعاصرة مع استمرار المنهجية التقليدية .. المفروضة عليهم بمنطق مستهلك .. دون مبرر موضوعي أو ذرائعي بعيداً عن الأخذ بالتحولات الاجتماعية ومنطق حسابات التفكير الأدائية أو الجوانب المهارية البلومية..أو حتى مهارات التفكير الناقد أو الإبداعي أو الاستدلالي والتي أصبحت بحكم التغيرات التربوية الحديثة مطلب يفرض نفسه .. في ظل المتغيرات المعلوماتية والتكنولوجية .. وبذلك تشبّع طلبتنا أفكاراً مستهلكه ضمن نهج تربوي تقليدي مستنزف.. ذلك أن السبيل إلى مستقبلهم الدراماتيكي المجهول هو تحصيلهم التراكمي في الثانوية العامة.. كل حسب مقدرته على الحفظ والتذكر ليصبحوا – أعانهم الله- مسيرين إلى المجهول الذي يُفرض عليهم بمنطق التنافسية (العادلة) في الجامعات ..والتي توجه مصير شبابنا نحو مزيد من البطالة الهيكلية المقنعة .. بعيداً عن تلبية حاجاتهم وطموحهم ورغباتهم.. فالعصف التساؤلي هو الذي يعيد الطريق نحو هذا المنطق المستشري.


كم كنا متفائلين أن تعيد وزارة التربية والتعليم حساباتها مع الفوبيا المتكررة للثانوية العامة .. واستبشرنا خيراً بالجهود المضنية والخيّرة التي بذلها الدكتور فايز السعودي وفريقة التربوي الاستشاري الذي اشرف على الإعداد للمؤتمر الوطني لتطوير الثانوية العامة والذي انعقد في ربيع هذا العام .. حينها أدركنا أن الوزارة جادة للمضي قدماً للأخذ بالمقترحات التي جاءت ضمن دراسات علمية وتجارب واقعية واستشارات تربوية من ذوي الاختصاص .. وحشدت حضوراً كبيرة من تربويين وأساتذة جامعات ومدراء ميدانيين ومعلمين وطلبة وأولياء أمور وكل من له علاقة بهذا المجال ومناقشتهم بتفاصيلها للأخذ بتوصياتهم التي ستكون مدخلاً للوصول إلى صيغ جديدة وتغيير قائم على أسس علمية ومداخل تقنية معروفة كالتخطيط الاستراتيجي أو الجودة الشاملة أو إعادة الهندسة أو إدارة المعرفة أو إدارة الإبداع أو الإدارة بالأهداف وما إلى ذلك ..

إننا نعي تماما أن مؤسستنا التربوية الرسمية تخشى أن تواجه الكثير من التحديات التي تفرضها طبيعة التغيرات خاصة المتعلقة منها بالثانوية العامة.. ونعي أيضا أن الأمر أكثر من انتهاج مداخل القصد من ورائها أي تغيير منشود .. بل ومن الضروري أن يرافق ذلك تهيئة مسبقة للمجتمع الأردني بشكل عام والمجتمع التربوي بشكل خاص ومجتمع التعليم الثانوي بشكل أكثر خصوصية.. فكثير من التجارب التي كان هدفها النهوض بالثانوية العامة خاصة في دول الجوار كان مصيرها الفشل رغم جودتها .. إلا أنها لم تراع أبسط أبجديات التغيير المتمثل في التهيئة المسبقة وعدم إحداث التغيير بشكل فجائي وعشوائي.. ومن وجهة نظري الخاصة أجد حتماً أن الإعلام التربوي يجب أن يمارس فيها دورًا كبيرًا.

نعود الى القول ان ما يتعلق بامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة بصيغتة التقليدية الحالية ما زال يجرى سنويا لأغراض في مقدمتها محاسبة الطالب على كم المعرفة الحفظية والتذكرية التي بجعبته .. لا من أجل تحسين العملية التعليمية والاعتماد عليها في القرارات التربوية وغيرها.. وبحسب معرفتي المتواضعة بالمعايير التربوية الحديثة والقياس والتقويم التربوي المعتمد على الأسس والقواعد الفعالة فلا اعتقد أن مصطلح المحاسبة التربوية له وجود في قواميس التربية والتعليم لذلك فإنني ازعم وفق المعطيات الحالية إن الممارسات التقويمية المؤسسية لدينا هي ممارسات مكتبية شكلية تمارس بعيدة عن الواقع التعليمي الذي نحن بحاجته .

أما فيما يتعلق بالمنهجية التقليدية المعروفة التي تتبعها وزارتنا العتيدة للتحضير الجيد للامتحان فذلك يستوجب إعداداً للقاعات وللجان المراقبة والتصحيح وما إلى ذلك من طرق الهدر التربوي ..وفي ذلك دعوني أتساءل : لماذا لا تجري عملية أتمتة لامتحانات الثانوية العامة.. ولماذا لا تكون منهجية امتحانات الثانوية العامة معتمدة على مجموعة من وسائل التقييم الحديثة المستندة إلى قواعد إجرائية واضحة ترقى إلى مستوى عال من التطور والتقدم ليقيم أداء الطالب بما ينسجم وطموحة وآماله ونسايره في تحصيله الدراسي عبر مرجعيات تقويم أو بنوك أسئلة مقننة الخصائص السيكومترية باحتراف؟ تمامًا كما في اختبارات التوفل وغيرها.


وفي مقابل ذلك يكون هناك اختبارات للقبول في الجامعات ليقبل الطالب وفقها بناء على محكات تختلف باختلاف الكفايات المطلوبة لكل تخصص.. بحيث تصبح معايير القبول مركبة من اختبار الثانوية بآلياته الجديدة .. واختبار القبول في الجامعة.. بالإضافة إلى اختبار القدرات.. واختبار للاتجاهات والميول وغيرها من المتطلبات.


من هنا يجب أن ندعو جميعاً .. إلى عمل تقييم ومراجعة عامة وشاملة للمرحلة الثانوية ؟! وخاصة فيما يتعلق بتحديد المناهج الدراسية وبيداغوجيا التعليم وتعزيزها.. فلقد آن الأوان لطرح مناهج دراسية متمحورة على المفاهيم التي تعتمد على إكساب الطالب المهارات التي تمكنه من التعلم الذاتي بعيداً عن أساليب التعليم التقليدية .


وأخيرا دعونا نقول أن المشكلة ليست في أن تكون الثانوية العامة على سنة واحدة أم على سنتين، بل المهم في إيجاد الفلسفة الخاصة بإدارة هذه المرحلة الفاصلة في حياة الطالب بحيث لا يبقى كابوس الثانوية العامة هو العقدة التي لن تجد طريقاً للحل بانتظار آليات تطوير تتفق مع آمال وطموحات طلبتنا الأعزاء .
والله ولي التوفيق


 فيصل تايه

Fsltyh@yahoo.com

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير