يكفينا فضائح
فهد الخيطان
جو 24 : لا نملك في وسائل الإعلام حق التعليق على مجريات القضايا المنظورة أمام القضاء، مثل قضية محاكمة مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي، المنظورة حاليا، على الرغم مما تضمنته شهادات الشهود من معلومات مثيرة ومفاجئة، تغري بالتحليل والتدقيق.
ومن بين المسائل التي أخذت حيزا في جلسات المحاكمة، الاتهامات المتعلقة بمبالغ مالية سلمتها وزارة الداخلية لمكتب مدير المخابرات العامة على دفعتين العام 2007، وبلغت قيمة الدفعة الأولى نصف مليون دينار، والثانية ربع مليون دينار.
لن نعلق على حيثيات التهمة ودلالاتها، لأن ذلك من اختصاص القضاء، وليس لنا الحق من الناحية القانونية في الحديث فيها.
لكنها فرصة لتذكر تقليد مؤسسي راسخ من الإنفاق خارج القانون، اتبعته دوائر ووزارات سيادية في الدولة، وتحول مع مرور الزمن إلى عرف مشروع ومحبب، وصارت له مخصصات تفوق في بعض الأحيان موازنة وزارة أو دائرة حكومية.
فهناك مخصصات لمكتب رئيس الوزراء لا تقل عن 150 ألف دينار شهريا، ينفقها كما يشاء. وإذا كان الرئيس من أصحاب الضمائر الحية، فإن الأموال تذهب لتسديد رسوم طلبة جامعات فقراء وعائلات مستورة. وقد تصرف، وهذا ما يحدث في أحيان كثيرة، على محاسيب وأصدقاء، أو لشراء ولاء وجهاء وساسة وإعلاميين، ومياومات إضافية لسفرات المسؤولين إلى الخارج، ناهيك عن الإكراميات والعيديات.
ولوزير الداخلية مخصصات أيضا لا يخضع إنفاقها لمراقبة ديوان المحاسبة أو جهات الرقابة الداخلية في وزارته. ولا أعلم إن كان لباقي الوزراء مخصصات مشابهة، لكن الأهم من هذا وذاك المخصصات السرية لمسؤولين في دوائر ومراكز أهم في الدولة، لا توجد أرقام دقيقة حول قيمتها، لكنها بالملايين حسبما يؤكد أشخاص عملوا سابقا في تلك المؤسسات.
أوجه إنفاق هذه المخصصات فضفاضة للغاية؛ فقد يستفيد منها محتاجون ونافذون، وزراء وفقراء، وفي أحيان كثيرة يستخدم المسؤول المخصصات لكسب الولاء الشخصي له ولمعاونيه.
في العادة، يتهافت مسؤولون سابقون على طلب المساعدة من تلك الجهات بمجرد خروجهم من مواقعهم الرسمية. وكما هو معروف، ينال معظمهم مراده.
وفي المواسم الانتخابية، كثيرا ما استخدمت هذه المخصصات لتمويل حملات مرشحين موالين، أو رشوة منافسين للانسحاب من السباق الانتخابي. ويمكن إنفاقها أيضا لتمويل منح دراسية في الخارج، أو لشراء سيارات لمسؤولين سابقين.
بصرف النظر عن الدوافع والمبررات التي تساق لاقتطاع مثل هذه المخصصات، فهي في كل الأحوال إنفاق خارج القانون، وينتمي من حيث الشكل والمضمون إلى عصر ما قبل الدولة الحديثة؛ فما من حكومة في هذا العصر تسمح لمسؤول، مهما كان موقعه، بالتصرف بأموال عامة دون مساءلة أو محاسبة.
وللإنصاف، لا أعلم إن كان اقتطاع مثل هذه المخصصات مستمرا، لكني لم أسمع عن توقفه. وإذا كانت ما تزال مستمرة، فيجب وقفها فورا.. يكفينا فضائح.
(الغد)
ومن بين المسائل التي أخذت حيزا في جلسات المحاكمة، الاتهامات المتعلقة بمبالغ مالية سلمتها وزارة الداخلية لمكتب مدير المخابرات العامة على دفعتين العام 2007، وبلغت قيمة الدفعة الأولى نصف مليون دينار، والثانية ربع مليون دينار.
لن نعلق على حيثيات التهمة ودلالاتها، لأن ذلك من اختصاص القضاء، وليس لنا الحق من الناحية القانونية في الحديث فيها.
لكنها فرصة لتذكر تقليد مؤسسي راسخ من الإنفاق خارج القانون، اتبعته دوائر ووزارات سيادية في الدولة، وتحول مع مرور الزمن إلى عرف مشروع ومحبب، وصارت له مخصصات تفوق في بعض الأحيان موازنة وزارة أو دائرة حكومية.
فهناك مخصصات لمكتب رئيس الوزراء لا تقل عن 150 ألف دينار شهريا، ينفقها كما يشاء. وإذا كان الرئيس من أصحاب الضمائر الحية، فإن الأموال تذهب لتسديد رسوم طلبة جامعات فقراء وعائلات مستورة. وقد تصرف، وهذا ما يحدث في أحيان كثيرة، على محاسيب وأصدقاء، أو لشراء ولاء وجهاء وساسة وإعلاميين، ومياومات إضافية لسفرات المسؤولين إلى الخارج، ناهيك عن الإكراميات والعيديات.
ولوزير الداخلية مخصصات أيضا لا يخضع إنفاقها لمراقبة ديوان المحاسبة أو جهات الرقابة الداخلية في وزارته. ولا أعلم إن كان لباقي الوزراء مخصصات مشابهة، لكن الأهم من هذا وذاك المخصصات السرية لمسؤولين في دوائر ومراكز أهم في الدولة، لا توجد أرقام دقيقة حول قيمتها، لكنها بالملايين حسبما يؤكد أشخاص عملوا سابقا في تلك المؤسسات.
أوجه إنفاق هذه المخصصات فضفاضة للغاية؛ فقد يستفيد منها محتاجون ونافذون، وزراء وفقراء، وفي أحيان كثيرة يستخدم المسؤول المخصصات لكسب الولاء الشخصي له ولمعاونيه.
في العادة، يتهافت مسؤولون سابقون على طلب المساعدة من تلك الجهات بمجرد خروجهم من مواقعهم الرسمية. وكما هو معروف، ينال معظمهم مراده.
وفي المواسم الانتخابية، كثيرا ما استخدمت هذه المخصصات لتمويل حملات مرشحين موالين، أو رشوة منافسين للانسحاب من السباق الانتخابي. ويمكن إنفاقها أيضا لتمويل منح دراسية في الخارج، أو لشراء سيارات لمسؤولين سابقين.
بصرف النظر عن الدوافع والمبررات التي تساق لاقتطاع مثل هذه المخصصات، فهي في كل الأحوال إنفاق خارج القانون، وينتمي من حيث الشكل والمضمون إلى عصر ما قبل الدولة الحديثة؛ فما من حكومة في هذا العصر تسمح لمسؤول، مهما كان موقعه، بالتصرف بأموال عامة دون مساءلة أو محاسبة.
وللإنصاف، لا أعلم إن كان اقتطاع مثل هذه المخصصات مستمرا، لكني لم أسمع عن توقفه. وإذا كانت ما تزال مستمرة، فيجب وقفها فورا.. يكفينا فضائح.
(الغد)