هل نسلم الجامعات للدرك؟!
فهد الخيطان
جو 24 : زرعوا فأكلنا عنفا وزعرنة وتخلفا! لما يزيد على عقد من الزمن، كانت الجامعات الرسمية على وجه الخصوص، مختبرا أمنيا ورسميا لإعادة إنتاج القيم البدائية، في إطار خطة مدروسة لكبح مشاريع النهوض السياسي في الأردن. ولأن الجامعات واحدة من أهم منصات التغيير، فكان لا بد من تحطيمها مبكرا، وإغراقها في بحر من الصراعات الداخلية، وذلك باستدعاء الهويات الفرعية والروابط الإقليمية والجهوية والعشائرية، في مواجهة محاولات التنوير والتأسيس لحياة طلابية حديثة وعصرية.
أنتج المختبر الأمني والرسمي أسوأ الطبعات، وتولت أذرعه في المؤسسات التعليمية تعميم النموذج على مختلف الجامعات. في غضون سنوات قليلة، تغلغل الفيروس في خلايا الحياة الطلابية والأكاديمية، ولم تسلم منه جامعة عريقة أو حديثة؛ فصار العنف الجامعي السمة الوحيدة التي تتشارك فيها الجامعات الرسمية والخاصة أيضا، ولم تعد تتنافس إلا بمعدلات العنف وعدد المشاجرات. وفي الأثناء؛ وهذه نتيجة طبيعية، انحط المستوى الأكاديمي إلى أدنى درجاته. ومع استباحة القرار الجامعي من طرف الجهات ذاتها، أصبح تعيين رؤساء الجامعات وأعضاء هيئات التدريس بيد المؤسسة الأمنية، وانتقلت سلطة القرار في الجامعات إلى مكتب صغير في عمادات شؤون الطلبة.
الطلبة لم يعودوا طلبة، بل أبناء عشائر وحمائل ومناطق، لهم مرجعياتهم القبلية والمجتمعية التي يأتمرون بأوامرها، ويخوضون المشاجرات والانتخابات الطلابية باسمها وقرارها. وهكذا، توزع الحرم الجامعي إلى مرابع وواجهات عشائرية، تحت رعاية رسمية تغذيه سنويا بآلاف الطلبة من ذوي المعدلات المتدنية عبر آلية بدائية اسمها "الاستثناءات".
تسألون ما الذي دفعني إلى قول هذا؟
هو جرح "مؤتة" الذي ينزف منذ أيام، وقبله بقليل "اليرموك" التي تخرجت منها قبل ربع قرن، وتعلمت فيها معنى الولاء للوطن لا العشيرة أو المحافظة.
المشهد في "مؤتة" أمس مثّل ذروة الخراب الذي بلغته الحياة الجامعية في البلاد؛ ساحة حرب كما وصفها المراسلون الصحفيون، بنادق أوتوماتيكية، وأسلحة بيضاء، وقنابل مولوتوف، وملثمون يدمرون ويحرقون مرافق الجامعة.
ليسوا طلبة أبدا؛ فقد حولهم الفيروس الخبيث إلى مجاميع ومليشيات هائجة ومتطرفة لا قيمة عندها غير قيمة الولاء العشائري والجهوي.
كل المحاولات لوقف انتشار الفيروس، على تواضعها، وقفت عاجزة أمامه. المجتمع المحلي الغارق في أزمات لا تعد ولا تحصى يبدو غير مبال بانهيار جامعاته ومؤسساته الأكاديمية، فهي بالنسبة له مجرد دوائر محشوة بموظفين جلهم بلا عمل. أما القيادات الأكاديمية، فهي الأخرى ضربها الفيروس، غالبيتها جزء من المشكلة وليس الحل. والقليل من الغيورين على الجامعات لا حول لهم ولا قوة.
ها هو الفيروس يضرب أوصال الجامعات، ولا تجد الدولة غير "الدرك" كمضاد من نفس الطبيعة الأمنية لمواجهته. لكن ماذا بوسع الحل الأمني أن يفعل، بعد أن انتشر الفيروس في كل الجامعات؟ هل نسلم الجامعات للدرك، أم نغلقها ونستريح من هذا الهم؟!
مواجهة الكارثة في الجامعات لن تنجح إذا لم تعترف مؤسسات الدولة أولا بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، عندها تبدأ رحلة العلاج.
(الغد)
أنتج المختبر الأمني والرسمي أسوأ الطبعات، وتولت أذرعه في المؤسسات التعليمية تعميم النموذج على مختلف الجامعات. في غضون سنوات قليلة، تغلغل الفيروس في خلايا الحياة الطلابية والأكاديمية، ولم تسلم منه جامعة عريقة أو حديثة؛ فصار العنف الجامعي السمة الوحيدة التي تتشارك فيها الجامعات الرسمية والخاصة أيضا، ولم تعد تتنافس إلا بمعدلات العنف وعدد المشاجرات. وفي الأثناء؛ وهذه نتيجة طبيعية، انحط المستوى الأكاديمي إلى أدنى درجاته. ومع استباحة القرار الجامعي من طرف الجهات ذاتها، أصبح تعيين رؤساء الجامعات وأعضاء هيئات التدريس بيد المؤسسة الأمنية، وانتقلت سلطة القرار في الجامعات إلى مكتب صغير في عمادات شؤون الطلبة.
الطلبة لم يعودوا طلبة، بل أبناء عشائر وحمائل ومناطق، لهم مرجعياتهم القبلية والمجتمعية التي يأتمرون بأوامرها، ويخوضون المشاجرات والانتخابات الطلابية باسمها وقرارها. وهكذا، توزع الحرم الجامعي إلى مرابع وواجهات عشائرية، تحت رعاية رسمية تغذيه سنويا بآلاف الطلبة من ذوي المعدلات المتدنية عبر آلية بدائية اسمها "الاستثناءات".
تسألون ما الذي دفعني إلى قول هذا؟
هو جرح "مؤتة" الذي ينزف منذ أيام، وقبله بقليل "اليرموك" التي تخرجت منها قبل ربع قرن، وتعلمت فيها معنى الولاء للوطن لا العشيرة أو المحافظة.
المشهد في "مؤتة" أمس مثّل ذروة الخراب الذي بلغته الحياة الجامعية في البلاد؛ ساحة حرب كما وصفها المراسلون الصحفيون، بنادق أوتوماتيكية، وأسلحة بيضاء، وقنابل مولوتوف، وملثمون يدمرون ويحرقون مرافق الجامعة.
ليسوا طلبة أبدا؛ فقد حولهم الفيروس الخبيث إلى مجاميع ومليشيات هائجة ومتطرفة لا قيمة عندها غير قيمة الولاء العشائري والجهوي.
كل المحاولات لوقف انتشار الفيروس، على تواضعها، وقفت عاجزة أمامه. المجتمع المحلي الغارق في أزمات لا تعد ولا تحصى يبدو غير مبال بانهيار جامعاته ومؤسساته الأكاديمية، فهي بالنسبة له مجرد دوائر محشوة بموظفين جلهم بلا عمل. أما القيادات الأكاديمية، فهي الأخرى ضربها الفيروس، غالبيتها جزء من المشكلة وليس الحل. والقليل من الغيورين على الجامعات لا حول لهم ولا قوة.
ها هو الفيروس يضرب أوصال الجامعات، ولا تجد الدولة غير "الدرك" كمضاد من نفس الطبيعة الأمنية لمواجهته. لكن ماذا بوسع الحل الأمني أن يفعل، بعد أن انتشر الفيروس في كل الجامعات؟ هل نسلم الجامعات للدرك، أم نغلقها ونستريح من هذا الهم؟!
مواجهة الكارثة في الجامعات لن تنجح إذا لم تعترف مؤسسات الدولة أولا بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، عندها تبدأ رحلة العلاج.
(الغد)