تأجيل الانتخابات هروب إلى الأمام
مع اتساع جبهة المقاطعة للانتخابات النيابية المقررة هذا العام، ارتفعت أصوات تنادي بتأجيل الانتخابات إلى إشعار آخر، على أمل الاتفاق على قانون جديد يضمن أوسع مشاركة في الانتخابات.
أنصار هذا الرأي هم في الغالب من أصحاب النوايا الحسنة، وهمهم إنقاذ عملية الإصلاح السياسي من الفشل. لكن، وبقليل من التدقيق في الفكرة، سيتضح لهم أن خيار التأجيل هو الفشل بعينه.
تأجيل الانتخابات يعني استمرار مجلس النواب الحالي، وأي قانون جديد للانتخاب سيمر من خلاله لا محاله؛ فما الذي سيتغير إذن؟!
لقد أثبتت مناقشات النواب لقانون الانتخاب أن الدولة قادرة على تمرير القانون الذي تريده، فما معنى التأجيل إذا كان بإمكانها إقرار قانون يحظى بالقبول في أي وقت؟
التأجيل في هذه الحالة سيفسر على أنه مماطلة من طرف الدولة، ودليل على عدم جديتها في إنجاز الإصلاحات المطلوبة، وفي أهون الظروف هروب الى الأمام، وترحيل للأزمة بضعة أشهر، فيما الأوضاع في البلاد لا تحتمل المزيد من إضاعة الوقت.
تأجيل الانتخابات لن يغير شيئا في موقف القوى التي قررت المقاطعة. الحالة الوحيدة التي يمكن أن يتغير فيها الموقف هي تعديل القانون، والتراجع عن مبدأ الصوت الواحد الذي تصر عليه مراكز صناعة القرار.
التوافق على البديل لا يحتاج إلى أشهر أو حتى أسابيع، ولا إلى تأجيل الانتخابات عن الموعد المقترح. يكفي أن تعلن الحكومة اليوم استعدادها لاستبدال الصوت الواحد بصوتين، وعندها ستجد أن جميع القوى التي قاطعت الانتخابات تعلن نيتها المشاركة. ومثلما تمكنت الدولة من تمرير التعديل على القانون في مجلس النواب خلال ساعتين، ستكون قادرة على فعل الشيء ذاته في الدورة الاستثنائية المقررة بعد شهر رمضان.
تعرف مراكز صناعة القرار في الدولة، ومن خلال اللقاءات المباشرة مع المعارضة أو عبر الوسطاء، أن القوى السياسية والحزبية لا تريد أكثر من ذلك للمشاركة في الانتخابات.
وتعرف مراكز القرار أيضا، أن تيارا واسعا في مؤسسات الدولة يدعم هذا الخيار. وفي مجلسي الأعيان والنواب اتجاه قوي ضد الصوت الواحد، عبّر عن نفسه بشكل صريح في المناقشات تحت القبة. وأعتقد أن القانون ما كان ليمر في مجلس الأمة لو ترك لأعضائه التصويت بإرادتهم الحرة.
الرأي العام الشعبي والسياسي في الأردن يريد انتخابات مبكرة، ولا يرغب في إطالة عمر المجلس الحالي يوما واحدا، ويطمح إلى حكومة تتمتع بقاعدة من الثقة الشعبية والبرلمانية، لكنه قبل هذا وذاك، لا يريد الصوت الواحد، وموقفه هذا لن يتغير، سواء أجريت الانتخابات هذا العام أو تأجلت إلى العام المقبل.
(الغد)