jo24_banner
jo24_banner

حتى يغيروا ما بأنفسهم

طارق البرغوثي
جو 24 : عجبت لامّة تعاني من الأسقام كيف لا تفزع الى الشفاء.
بني وطني أما اذاكم حملَ الهوان وقبيح ذكركم بين الأنام , الموجوع لا ينام واراكم تنامون على لظى ملء الجفون , كيف تصبرون ؟! ان مكابدة الأيام في إيجاد مصلٍ لأوجاعكم أهون من حياة المرض ومرض الحياة !.
انّ من يذُق العزّ ويتربع على عرش الكرامة, ويرفل في ثياب العز لا يمكن ان يقبل الذل ويتجرع المهانة .
كنتم سدنة الدنيا وحُمّالِ لوائها في غابر الأيام , يوم حملتم النور الذي أنزل من السماء فكنتم انتم آيات الله, فكنتم العقيدة والعقيدة كانت انتم , ثم فعلتم ما فعل اهل الكتاب الذين أُنزل عليهم التوراة والانجيل فاتخذتم القران وراءكم ظهريا كما اتخذوها , فابتعدتم عن المشكاة التي فيها صلاحكم كما ابتعدوا فكان تيه بني إسرائيل أربعين عاما ولكن تيهكم لن يرى الهداية حتى تعودوا الى مصدر عزتكم ! .

لماذا عطلتم حواسكم التي خلق الله لكم , فكنتم المراد بقوله ( لهم قلوبٌ لا يفقهون بها , ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها)
فكيف تهتدون بعد هذا لقوله (سيروا في الأرض), فالأعمى لا يبصر , والاصم لا يسمع , ومن فقد ملكة الفكر والعقل اصبح جامدا مقلّدا ولا يهتدي سبيلا..
لسان حاله (انا وجدنا اباءنا على أمّةٍ وانا على اثارهم مهتدون)
.(قل سيروا في الأرض) , سير المتفكرين , المنقبين , الباحثين عن علاقة هذا الانسان بالكون والحياة
هذه العلاقة مادتها القران الذي يربط الانسان بالكون والحياة- الذي جعلناه وراءنا ظهريا , فاصبحنا نحيا وكأننا نشاز في بيئتنا لا ارتباط بيننا وبين عالمنا..
كيف يغير الله حالنا من الضعف والهوان ؟ والله يقول لنا (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
ماذا نغيّر , وكيف نغيّر ؟ ومتى نغيّر ؟!
وهل التغيير الا خطّة محكمة , وتطبيق جاد , وزمن محدّد , وفريقٌ يعمل لا يكل ولا يمل , يضحى بنفسه وماله ووقته في سبيل دعوته, وليس بفضول ذلك كله كما قال الامام البنا : "هذا الدين لا ينفع معه فضل مال و لا فضل جهد و لا فضل وقت" فعلينا ان نعط هذا الدين كل شيء حتى يعطينا بعضه والا ما معنى قول النبي للفاروق عندما قال له احبك اكثر من أي شيء الاّ نفسي فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يكتمل ايمانك حتى أكون احبّ اليك من نفسك.."
ألسنا نشازاً في اوركسترا غاب كل فريقها ؟ ومن حضر جسمه غابت روحه !
نقدّس الجماعات اكثر من تقديسنا لديننا , حتى لو هذه الجماعات جرّبت المجرب الذي جاء بالخراب , فكيف يغير الله حالنا من حال الى حال اذا كنّا في كل مرّه نجرّب المجرب ولم نتغير , هذا والله الحمق بعينه. على الافراد تقديم النصح للجماعات والخروج من فكرة "الابوية" التي تقضي ان الجماعة الاب والافراد هم الأبناء الذين وجدوا اباءهم مسلمين فهم على الفطرة الابوية وما بين الابوية والفطرة يحدث كثير من التغيير دون مراجعة !

آية التغيير قانون آلهي يقضي بأنّ التغيير من الله يجب ان يتبع تغيير ما بأنفس الجماعة , والتغيير هو تغيير الجماعات الذين لهم سطوة لتغيير ما بنفوس الافراد عن طريق مؤسسات ومنظمات , تمارس التخطيط , والتنفيذ ووضع الاستراتيجيات قصيرة وطويلة الاجل , وتستشرف المستقبل , وتقيس المخاطر , وتعد النشء والقيادات وتجد لها قدم في الاعلام ومعركة الحرب النفسية التي تعادل كل الحروب.
انّ تغيير ما بالنفس للأقوام يعني الهدم والبناء لكل المفاهيم المشوهّة , والسير في الأرض لمعرفة سنن الله في الاقوام , فلكل قوم تجربة نأخذ منها ما يوافق حالنا , فاليابان وألمانيا بلدان هُدِمتا على رؤوس أهلها , لهما تجربتان توضح كيف غيروا ما بأنفسهم , وكلٌ يؤخذ منه ويرد , والحكمة ضالة المؤمن , مالنا نسبح في بحرٍ لجّي يلقى بنا تارة هنا وتارة هناك ولا نهتدي سبيلا !!, فلنعلنها ثورة على الجمود وعلى الموروثات التي لم تغير ما بأنفسنا وأوردتنا موارد الهلاك , لنهدم ونبني , لنمارس العمل التطوعي أسوة بألمانيا واليابان , ولنأخذ العبرة فقد قيل ان المانيا بعد الحرب طلبت من الشعب ان يعمل ساعتان من اجل المانيا وقد كان حتى عادت المانيا في غضون عشر أعوام الى سابق عهدها , نحن احوج ما نكون لهذا المفهوم , وديننا يحفزنا على ذلك , فاين نحن من هؤلاء ؟!!

أن التشدّق بأننا مسلمين واجترار عظمة الماضي لن يغير من واقعنا شيئا ما لم نفعل ما يبرهن على ذلك, وان التاريخ لا يلتفت للأمم التي تغط في نومها كما قال ملك بن نبي, وحتى ينظر الله الينا ويغير حالنا لا بد من تغيير حالنا كجماعات وقيادات تستطيع تغيير هذا الجسم الضخم , لا بالشعارات وانما ببرامج عملية , مخطط لها , مدروسة , يتم اسقاطها على الواقع والمراجعة بين الحين والأخر لأخذ التغذية الراجعة للتصحيح , لا ان نقبع قرن من الزمان في محاولات عبثية نراوح المكان في عالم لا يوجد فيه مكان الا للأسرع والأقوى
يحاربنا اعداؤنا بالعلم من خلال مراكز دراسات مزروعة في قلب الوطن العربي بمباركة القيادات السياسية , تعمل هذه المؤسسات بديلا للاستشراق , حيث تدرُس الجماهير في كل بلد وتوجهاته واهتماماته , وتعمل كأنها مخابرات لبلادها , من خلالها يتم معاكسة الإصلاح السياسي والثقافي , واستطاعت أمريكيا بركوب موجة ما يسمى بالربيع العربي من خلال قراءتها لواقعنا , وقد كتب لوبون قديما عن "سيكولوجية الجماهير" فأدارت دفة الثورات لتكون طعنة نجلاء في ظهر حركات الإصلاح, ليدب الوهن والياس في النفوس التي باتت تعتقد ان عملية التغيير الإيجابي شيء من الخيال موجود في القصص والروايات الرومانسية . ..

على الحركات والجماعات الإسلامية ان تعمل كمؤسسات لها مراكز بحثية ودراسية تقوم بتأصيل لكل هذه التحديات ووضع الحلول وعدم القاء كل تقصير على المؤامرة الداخلية والخارجية .
كثير من الكتب التي كتبت في التغيير السياسي والثقافي والاجتماعي , ولكنها بقيت ترف فكري , لم يرق في كثير من الأحيان حتى لتحضير ندوات للعصف الذهني والتأصيل فضلا عن اتخاذ المخرجات الية عمل من خلال مؤسسات داعمة ومنفذة ومراجعة للمخرجات .
الجماهير العربية متدينة بطبعها يلهب حماسها الشعارات الرنانة والخطاب الشرعي من الحركات الإسلامية وهي سيل جارف لو أستغل قيادته وتغيير لما بأنفسهم , الا ان ما بالنفوس مزيج عكر لا يقل تأثيره من الحرب النفسية التي تقودها الإمبريالية العالمية ضد هذه الشعوب , فمعركة النفوس هي الميدان الذي يتنازعه الغرب والحركات الإسلامية , فلمن تكون الغلبة ؟!
المعرفة التي توظف من خلال معلومات يتم معالجتها على نار الصبر والكيد هي الميدان الذي ننهزم دائما فيه أمام اعداءنا ونسينا أننا أمة اقرأ (القلم) , وهي معركة لا تقل عن معركة السلاح (الحديد) وهاتان المعركتان حتى ننتصر فيها لا بد ان ننتصر في معركة الحريّة (الشورى )
أخيرا أرى ان الترهّل الذي نعيشه كأفراد في ظل التخلف والتقهقر يتحمل مسؤوليته قيادات الحراك السياسي والديني , لان المشهد يصدق واقعه ان هناك كثير من الافراد يعملون بطاقة اكبر من الجماعة , الامر الذي يدعو للتساؤل, كيف يمكن تحويل العمل التطوعي في سبيل النهضة الى عمل مسؤول ومحاسب عليه افرادا وجماعات ؟! الهدف التصويب والتصحيح ومن ثم دفع حركة التغيير الإيجابي الى الامام؟
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير