فجرنا يا قوم آتْ ... رغم كلِّ الترهات!!
انقضت سنوات على عودة الحياة البرلمانية إلى الأردن, وانتهى عهد الإحكام العرفية البغيض شكليا، وتشكلت عدة حكومات عبر عدة دورات انتخابية، لكن اعضاء السلطات مصرون جميعاً الا من رحم ربي على صواب وعبقرية مواقفهم وقراراتهم، وأنهم جميعاً ورغم كل هذه الأرقام الفلكية عن الفساد والفشل والمديونية, قد بذلوا كل ما في وسعهم من اجل خدمة الشأن العام, وكان اخرها استصدار الجوازات الدبلوماسية الحمراء مدى الحياة لاعضاء مجلسي النواب والاعيان, وهنا اتساءل هل هذا هو قمة الاصلاح التي توصلت اليها سلطاتنا الموقرة؟ هل انحسر الوطن والمواطن بهذا العدد من رجالات السلطة؟ لماذا يصرون على زيادة الهوة وعدم الثقة بين الشعب والسلطات؟
فالوطن هو الشعب وهو التراب, هو الذكريات والأحزان وهو موطن الولادة والنشأة والصبا, هو حيث يجمعنا مع أفراده برابطٍ فطري متين, ويضمنا إلى أحضانه وقت المكاره والنكبات وتكالب الأعداء والحاسدين, هو أنا وأنتم وأجدادنا الذين تدثروا بترابه الطاهر وجباله ووديانه الصامدة, هوَ الإنسان, هو الهواء والماء، هوَ الروح التكافلية الاجتماعية، هو النسق الثقافي الأصيل، هو ذلك الشيء الذي نبتنا في أرضه، واستنشقنا عبيره، واكتوينا بناره, هو أنت أيها الحرّ الأصيل ، يا أبن هذه الأرض الطاهرة والتربة العطرة، الوطن هو البيت والمزرعة هو الجبل والتل والصحراء , الوطن هو ذلك الذي أحببناه، وعشقناه، وفيه بتنا حالمين، وعليه علقنا الآمال, هو ذلك الذي أعطانا وأعطيناه، ورعانا وضحينا من أجله بالغالي والنفيس وتعطّر ثراه بالدم، وغالي الأرواح, نعم هذا هو الوطن.
فماذا فعلت لنا السلطات؟
أوْهمونا, أنَّ أرضي ليس فيها ثـَرواتٌ ,وشَكـَوْا من قِلـَّةٍ, ورَمَوْنا في الحَفير, وطني ليس فقيرا, فيه خيرات وحُبٌّ , وجمال, فيه أجيالٌ عِظام, فقدوا حق القرار, قيّدوهم..كبّلوهم, سجنوهم روّعوهم, بعذابٍ وانتقام, إنـَّهم إنْ مَلـَكوا حرِّيّة, يوماً تـَخَطـَّوا, كلَّ أسوار المُحال, قفزوا فوق الجبال, ملئوا أوطانهم, عِلْماً ومجدا وفخارا, وعلوا كل المحن, رَهَنوا أرواحهم, للذوْدِ عن تـُرْب الوطن, وطني فيه ليوث, يخشى صولتها الطغاة, وطني صُلب قويّ, يتحدّى كل عُشّاق الظلام, وطني قد أفقرته عصبة, أعماها حب الشهوات, قد غفت فوق فراش من حرير, تجمع المال بسيف عنتري, همها جاه وسلطان ومال, مركباتٌ فارهاتٌ, وقصورٌ شاهقات, وبساتينٌ .. حدائقُ, حُسْنـُها فاق الخيال, ونساء راقصات, وشراب وغناء, ثم قلْ ما شئتَ, من ضَرْبِ المُحال, وطني ليس فقيرا, سرقته عُصْبة ُالجَوْر, وأبناءُ الحَجَر, زرعت فيه الفساد, ملأته بالكـُسالى, أغرقته بالضياع, خدّرته بوعود كالسراب, نشرت فيه السواد, لم يعد في وطني فجر يلوح, فوق هامات الروابي والجبال, رحل الفجر وولـّى, حجبته ثـُلـَّة ُالنـَّصْب, وأشباهُ الرجال, قتل الفجرَ لصوصٌ وعتاة ٌ, قتلته العاهرات, وّسَّدوا القبر, صبّوا فوقه الأسْمَنت, والزُبَر المُذاب, ثم قالوا: فجركم يا قوم مات !لا تقل: فجرنا مات, كذب البغاة, فجرنا لا.. لن يموت, فجرنا مازال حيا, فجرنا في الأرض باقْ, فجرنا إنْ ضاء يوما, عميت أبصارهم, دُمّرت أوكارهم, زُلزلت أركانهم, وتـَرَدّوا في دياجير الظلام, فجرنا إن لاح يوما, ملأ الدنيا ضياء, وسلاما ووئام, طهّر الأرض التي, عاثتِ الجرذان,نـَقـْبا وفسادا, وحماها من خفافيش الظلام, فجرنا يا قوم آتْ, رغم أنف الظالمين, رغم كلِّ الترهات.
د. محمد يوسف المومني