jo24_banner
jo24_banner

أيُّ مجلس تنتظرون؟!!!

د. محمد يوسف المومني
جو 24 :

العالم يتغيّر، المنطقة تشتعل، الشعوب تستولد برقصها على حافة الهاوية أفكارا جديدة، ستتعايش معها في المستقبل القادم، تغيّرت الأيديولوجيا في بعض الأماكن، تبدّل الفكر السياسي في أماكن أخرى، منها نحو الصحوة ومنها نحو الرجعيّة، يتحضّر العالم للتعايش مع نظام دولي جديد، موازين القوى تلعب على حد السيف لفرض موازين جديدة، والأردنيون لا يستطيعون أن يتفقوا على قانون انتخاب، وكل طرف يزايد على الآخر وكأن العالم ينتظر نتائج الإنتخابات الأردنية ليُحدد الجهة التي سترجح الكفة لصالحها. 
الكذب سلاح بعض المرشحين في الإنتخابات, رجال يكذبون ونساء تكذب لا فرق.. كذب أبيض كذب أسود لا فرق.. في النهاية هو كذب وسلوك مرفوض من الدين قبل المجتمع.. وما رُفِض أو حُرِم شئ على ابن آدم إلا لِدفع ضرر عنه أو لجلب ِمنفعة له, ولو تعلم الاردنيين من تجارب الآخرين لَصَلُح حالهم, الكذب خلقٌ سئ يجرُ إلى النفاق، والكذبُ ظاهرةٌ تفشت في مجتمعنا وداخل الأسرة وبين أبناء الوطن, والحكومات كانت تنشر معلومات عن تحسين مستوي الدخل.. وإلاصلاح.. وتحقيق العدالة الإجتماعية.. والنزاهة.. والشفافية.. فكذبت وما زالت تكذب علينا.
أردد مقولةً: يُباحُ الكذبُ في ثلاثة أمور: في الحرب.. في الصيد.. وفي الإنتخابات! أما الكذب في الحرب، فهو كذبٌ تاريخي شائع منذ فجر التاريخ، لأن الـمهزوم فيها يُبرر هزيمته من الآخرين مستخدماً آلة الكذب, كما أن الـمُنتصر يَعمد إلى الكذب لتضخيم انتصاره, أما الكذب في الصيد: فهو أمر طبيعي.. فكـل صيّاد مارسَ الهواية يميل إلى أن يَسرد تجربته إذا عاد من جولته خائباً بإختلاق الـمعوقات التي حالت بينه وبين صيد كل ألاسماك ، وكل طيور الغابة، وغُزلانها، فلا أقل من أن يدعي بأن الأسود مثلا قد هاجمته، واستطاع أنْ يفنيها عن بكرة أبيها، أو أن ذئباً قد نازعه على طريدته، أو سمكة قرش ضخمة فرضت حظر التجول على الأسماك، وجعلتها تلزم الصخور! كما أن من يعود من الصيد ظافراً وفي جعبته سمكة مُصابه بالأنيميا أوأرنب هَرِم مريض فَضل أنْ يقع في الشباك على أن يموت في الغابة, فيّدعي بأنَ السمكة تكفي لإشباع عشرةَ رجال بالغين! والأرنب هو جزء من سلالة الأرانب النادرة.
أما عن الإنتخابات؛ فالكذب فيها مختلفٌ عما سبق، فهو الأشهر والأكبر والأكثر، لا في حجمه وكمِّه.. بل في طريقة عرضه! فالكذب الإنتخابي، كذبٌ يختلف عن كذب الصياد وكذب الـمحارب، فالإثنان كذباً لإعتقادهما بأنهما كانا وحيدين، لـم يرهما أحد، أما الكذب الإنتخابي: فهو كذبٌ وجميعنا شهود عليه:
مرشحين تمت معاصرتنا لهم في المجالس السابقة ... كانوا ممن مرروا صكوك الغفران والبراءة لمن باع وخصخص مدخرات وثروات الأردنيين, وجميع شعاراتهم محاربة الفساد والمفسدين, وبعضهم تحوم حوله شبهات فساد ويرفع شعارلا للفساد ونعم للقضاء على الفاسدين.
مرشح آخر يكتب في بيانه الإنتخابي "باي باي للبطالة"! ولا بطالة بعد اليوم، وهو يعلـم بأننا نقتاتُ على فتات موائد الآخرين، ونرتزق مما يجود به علينا الـمحسنون، البطالة في الاردن نوعان لا ثالث لهما؛ النوع الأول: هم العاطلون عن العمل ولا يتقاضون ثمناً عن بطالتهم، والنوع الثاني هم العاطلون عن العمل ويتقاضون ثمناً لبطالتهم, فالدعاية الأنتخابية لبطل (القضاء على البطالة) بالضربة الفنية القاضية، لا يعرف أبجديات أوضاعنا الأردنية، فهو بهذه الدعاية الإنتخابية التي دفع ثمنها من جيوبنا على الأرجح، يصنعُ شيئاً عكسياً تماماً.
مرشح اخر ألصق صورته بمادة صمغية قوية على أحد أعمدة الكهرباء.. تحمل تقاطيع وجهٍ غادرته الحياة منذ زمن لهرمه وكثرة تجاعيد وجهه على الرغـم من الرتوش وعمليات التجميل الكمبيوترية، إلا أنها لـم تفلح في إزالة سبعة أو ثمانية عقود من تجاعيد وجهه! فيكتب تحت الصورة شعاره: (الـمستقبل الـمشرق) أيُّ مستقبلٍ مشرقٍ يود أن يحققه الـمرشح الكريـم لنا ولأبنائنا؟ هل هو مستقبل الـمستشفيات.. أم مستقبل الأدوية .. أمْ أن الـمستقبل الـمنشود ذاته والـمطلوب تحقيقه إذا فاز الـمرشح الـمذكور.. سيدخل معه في غرفة العناية الـمركزة؟
مرشح اخرلافتته ما هي إلا دعاية نرجسية يتغزل فيها بذاته الكريمة، ويشيد بمزاياه، فهو أمينٌ وكفءٌ وقادرٌ ومتعدد الـمواهب ونزيه وذو ضمير مختلف عن ضمائر الآخرين، وهو مثل الشاعر الذي سمّى نفسه (كشاجم) ليدل كل حرف من إسمه على صفةٍ من صفاته: فالكاف هي (كاتب) أما الشين (شاعر) أما الألف (أديب) أما الجيم (جدلي) أما الـميم (منجم), وهذا الـمرشح النرجسي لا يعرف أبجديات علـم (النفس) عند الأردنيين، فالأردنيين لا يمقتون شيئا أكثر من مقتهم لـمن (يتغزلون) بأنفسهم!.
يبدو أننا، نحن الأردنيين، لـم نعي أبجديات الإنتخابات، وذلك بحكم ظروفنا، فمجلسنا النيابي التشريعي ليس له من مدلوله سوى الإسم، فأيُّ بلد بتركيبتنا السكانية.. لا يمكن أنْ تحل فيه الديمقراطية بمعناها الحقيقي؟ إن أعضاء الـمجلس السابقين والقادمين ليسوا سوى موظفين حكوميين، يلبسون عباءات الديمقراطية، وليس النجاح سوى فرصة لحياة رغيدة بالنسبة لهم، لا علاقة لهم بإسمها من قريب أو بعيد, ولا شك بأن إحدى أهم وسائل الإنتخابات هي استخدام العواطف، غير أن العواطف قسمان، قسم فجُّ يسيء إلى صاحبه، وقسم ناضجُ يساعد في رفعة صاحبه, فالدعاية الإنتخابية عند الآخرين تأخذ في الإعتبار الأمرين التاليين: الأول اهتمامات الجمهور الـمنتخب وحاجاته وآماله، والثاني الإمكانات التي يمكنها تحقيق تلك الاهتمامات، فإذا توفرت الإمكانات، فإن الحقيقة تدفع الناخبين إلى ترجيح ناخب عن آخر, فقد أعجبتني دعاية أحد أعضاء الحزب الديمقراطي الأميركي الذي قال: لن أعدكـم إلا بأن أبذل معكم جهدي لـمساعدتكم على واجباتكم، ولنيل حقوقكم الـمشروعة حسب القانون الأميركي.
فالمجتمع الأردني المحدود والصغير والمغلق لا يحتاج إلى كل تلك العبثية الانتخابية, ( كم سنوفر من مال.. وجهد، لو لـم نقم بما نقوم به من الوسائل والإعلانات والـملصقات، وما في حكمها)، فنحن نعرف بعضنا، ولا شيء في الأردن مجهول عن الآخرين, لـم أجد مرشحاً واحداً مغامراً حاول أن يدخل الإنتخابات دون لافتات، ودون ضجيج الـمايكرفونات، التي ننفر من صوتها النشاز! مع العلـم بأن ما أنفق فيها وعليها يمكن أن يجعلنا نردد باي باي للبطالة... فأي مجلس تنتظرون؟؟!!

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير