jo24_banner
jo24_banner

حكوماتنا... تخطيط ام تخبيط ؟؟

د. محمد يوسف المومني
جو 24 : لست ممن يدعو لاستجلاب الطاقة السلبية لأجسادنا وعقولنا التي كلّت وملّت سلبيات التاريخ والجغرافيا, وتكالبت عليها معادلات الفيزياء والرياضيات الكونيّة والبشرية، بل أدعو ما استطعت إلى الفأل الحسن كما هي دعوة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لشحن النفس بالطاقة الإيجابية لنستعين بها على قضاء حوائج الدنيا ونستزرع للآخرة ما قدر لنا زرعه، ولكن في أحيان كثيرة يجد الواحد منا نفسه محمولاً في موجات نوازل هذا الزمان التي تجعل الولدان شيباً, يجد كل من تبصر في ماضينا القريب وحاضرنا وما يمكن أن تكون عليه الحال في الأيام القادمة، طغيان حالة التخبط وضعف التخطيط الإستراتيجي الفاعل في عملية بناء هذا الوطن في جوانب حياتية كثيرة وبالرغم من وجود تنظير رائع في معظم الأحيان لتسيير عجلة الحياة في وزارات الدولة إلا أن حالات الوهن الحادة والمزمنة كانت ولا تزال تنهك جسد كيّان الخدمات التي تلامس حياة المواطن اليومية في حالة يأس أفضت بالكثير من العقلاء إلى نزعه من الغضب لما آلت إليه الأمور.
لم يرتبط التخطيط الإستراتيجي الإردني يوما بالتنمية أو بخططها, بقدر ما كان مرتبطا بالأبعاد الشخصية والآنية, وفي أحسن الأحوال بمنظمات الأعمال والتنظيم الداخلي للمؤسسات, والسبب في ذلك أن التخطيط الإستراتيجي لم يجرب كثيراً في مجال السياسات الإقتصادية والإجتماعية, أو لغايات ترتيب الأولويات لخدمة المصالح الوطنية والمحلية, ولم يعتمد كأداة من أدوات تحقيق النهضة الشاملة... وهكذا بالمقابل, فإن علم التخطيط الإستراتيجي التقليدي لمنظمات الأعمال, غالباً ما اكتنفه التقصير في "تلبية حاجة التخطيط الوطني, بما يشمله من قضايا وتعقيدات تتعلق بالأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعلمية والتقنية والإعلامية والعسكرية وبالأمن الوطني".
من هنا هدف هذا المقال الذي أطمح بالأساس من خلاله إلى "وضع أساس لفكر استراتيجي يناسب التحديات الإردنية الراهنة, ويسهم في تشكيل المستقبل المنشود في الدول الأردنية, فضلاً عن الإسهام في مواجهة التحديات التي تواجهه, والتي تجسد آخرها في دعوة رئيس الوزراء - أما رفع الأسعار أو انهيار الدينار- ... والتي تشير بقوة إلى "حتميّة تطوير مفاهيم التخطيط الإستراتيجي حتى ترتكز على القيم والمرتكزات التي تؤسس وتؤمن الأمن الإقتصادي والإجتماعي والسياسي".
لعل أهم عنصر في التخطيط الإستراتيجي ضرورة أن يتضمن الترتيبات التي تضمن أن ما يخطط له يتم تنفيذه, وهو ما يبدو مركزيا بالقياس إلى السياسات العموميّة التي غالباً ما لا تأخذ بعين الإعتبار هذا التوجه, وأول عنصر هنا هو عنصر الرؤية, الذي يعتبر المدخل في "تشكيل العمق القومي والإسهام في حشد قوة الدولة في سبيل تنفيذ الإستراتيجية, بما في ذلك من تأسيس للشراكات بين الحكومة من جهة, مع كل من شركات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع الوطنية".
ثاني عنصر هو تكامل "عملية تحقيق المصالح الإستراتيجية الوطنية والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي, والحفاظ عل البيئة المحلية من الإنهيار... وصياغة المفاهيم بما يراعي ذلك", لأن ذلك من شأنه التأثير في تحقيق الأمن والإستقرارالسياسي الإجتماعي والقتصادي, بدليل إن "عدم المراعاة الكافية للمفاهيم التقليدية للتخطيط الستراتيجي لهذه الجوانب كان لها أثر كبير في حدوث العديد من القضايا والإشكالات التي يعاني منها الأردن اليوم, من أهم نماذجها تردي الأوضاع الإقتصادية والتخبط السياسي للمواطن والمشرع الأردني, إن الهدف الذي نشير إليه هنا إنما تبيان ضرورة تطوير العلاقة بين التخطيط الإستراتيجي والمصالح الوطنية والأمن الإقتصادي والإجتماعي, وهذا يتطلب برأيي, "تحقيق التناسق بين كل من أساليب التحليل الإستراتيجي والغايات الوطنية المنبثقة عن الإستراتيجيات, وعناصر القوة الشاملة للأمن الوطني والتنظيم الإداري لآلية التخطيط الإستراتيجي الوطني".
وهذا لا يعني تجاهل العناصر الفرعية, بالعكس إذ يجب حتما تحديد خطوات الإدارة الإستراتيجية في المجالات الفرعية المختلفة, السياسية والإجتماعية والإقتصادية, "بما يجعلها تتناسب ومتطلبات المصالح الوطنية, بما في ذلك متطلبات الأمن القومي", من جانب آخر, فإن واقع التنافس الإقليمي والدولي يقتضي تحديد الوضع الراهن في عناصر القوة الاستراتيجية الشاملة, وهذا "يقتضي إجراء التحليل الإستراتيجي لتحديد مستوى القوة أو الضعف, وبناء عليه ينطلق التخطيط الإستراتيجي لتعزيز القوة في تلك العناصر أو بعضها, من خلال تحديد الغاية في كل قطاع".
وهذا يعني, برأيي, أن مختلف قطاعات ومكونات الدولة يجب أن تندمج في رؤية واضحة, تجعل الدولة تتحرك "في مسارها الإستراتيجي من موطن الضعف إلى موطن القوة, في ظل إدراك مستمر للتحديات الداخلية والإقليمية والدولية وصراع المصالح", ومعنى ذلك أن العملية برمتها يجب أن تنطلق من نقطة التحليل الإستراتيجي, ثم التخطيط الإستراتيجي, ثم التغيير الإستراتيجي والمسار الإستراتيجي للدولة, "في ظل خطوات الإدارة الإستراتيجية التي تساعد بصورة واضحة, في تحقيق التكامل العملي بين نشاطات الدولة وتحديد أولوياتها وسياساتها وتشريعاتها".
ولعل عبارة المسار الإستراتيجي إنما كانت الغاية منها تشكيل أسلوب ومسالك من شأنها الإسهام في تناسقية وتكاملية عمل الدولة, وعدم ممارستها لأنشطة متناقضة, كما " يساعد في السيطرة على الإنفاق العام, بما يجعله يتم وفق مقتضيات المصالح الإستراتيجية للدولة " ولضبط هذا المسار, اشدد على أهمية توزيع الأدوار بدقة بين المركز – العاصمة- والأطراف المجالية التابعة لها –المحافظات- كما أشدد على ضرورة أن تخضع العملية برمتها للمتابعة والرصد, وأن تكون مكمن تقييم دوري بغاية الإصلاح والتقويم.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير