2024-08-28 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

هل الاردن دولة مدنية

د. محمد يوسف المومني
جو 24 :

ما زال تخويف الناس من المعارضة في الاردن الذي يُمسك بمصيره مدنيون بممارسة العسكر، أو عسكر في ثياب مدنية بالقول: إنها ستقوّض «الدولة المدنية»! أسأل:هل توجد دولة مدنية بمفهومها العملي أساساً في الاردن؟ إذا كان المواطن منفياً في الداخل قبل الخارج فعن أية دولة مدنية يتحدثون؟ ثم ما هو مفهوم الدولة المدنية بالنسبة إلى مخترعي «البعبع»؟ هل هي عَلَم ونشيد وطني وجيش وجهاز أمني وتشكيل وزاري وسفارات وصحف وعدد من دكاكين الأحزاب أو الجمعيات التي لا تملك التوقيع على إيصال مصاريفها النثرية من دون العودة إلى الدولة، ولا تملك فتح «حصّالة» تبرع من دون الرجوع إلى الدولة، ولا تملك صحفها وضع العنوان الرئيس قبل الرجوع إلى أجهزة الأمن قبل وزارة الإعلام، ولا تملك احزابها وجمعياتها حق إعلان التبرُّع بالدم قبل الرجوع إلى أجهزة الأمن أيضاً قبل الرجوع إلى وزارة الصحة.


هل هي هذه الدولة المدنية التي تخوّفون الناس من المعارضة كي لا يفقدوا خيراتها وفيضَها وإسرافها في رحمتهم ورعايتهم؟ ما الذي حصده المواطن الاردني من «الدولة المدنية» المزعومة غير ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكّر في الدم، وارتفاع نسبة الإصابة بالسكتة القلبية والدماغية، وارتفاع معدّلات الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية، وارتفاع معدّلات الانتحار، وارتفاع حالات الإجهاض، وارتفاع معدّلات الإفلاس، وارتفاع معدّلات البطالة، وارتفاع مؤشرات الفساد، وارتفاع نسب التضخم، وارتفاع معدلات الجريمة, كل شيء في ارتفاع ضمن هذه الحدود؛ فيما لم يرَ المواطن إلا انعدام الحريات، وتدني وتراجع الخدمات، وانخفاض الأجور، والتراجع في مؤشرات الشفافية، والتراجع في الأداء الوظيفي والتعليمي والصحي، والتراجع في معدلات الإنتاج، والأهم من كل ذلك التراجع في الأمل, الأمل في أن ترتفع قيمة الإنسان في أي سوق حتى لو كانت سوقاً للمواشي, لا بأس سنذهب إلى الموت ونحن في كامل وعينا وصحتنا فقط أرونا «الدولة المدنية» التي ترعبون الناس من كابوس تقويضها والتعرّض إلى شرفها حين تصل أحزاب وجمعيات المعارضة الاردنية إلى السلطة.


ارحموا ما تبقى من وعي في هذه الشعب، وارحموا ما تبقى من صبره على الكذب اليومي الرسمي المقروء والمسموع والمرئي عن «صرعة الدولة المدنية» التي تخشون المساس بها وكأنها قائمة وماثلة أساساً.


الدولة المدنية الاردنية المزعومة ومنذ أكثر من ربع قرن ولّدت استجوابات وإهانات أكثر من تكريم الكفاءات، وولّدت نهباً وسرقات أكثر من تراخيص الجمعيات الخيرية وجمعيات الرفق بالحيوان، وولّدت رعباً للأجنة في الأرحام أكثر من توليدها أماناً لمواطن فرّ بجلده إلى منفى في أقصى بلاد الله, الدولة المدنية المزعومة التي يخوّفون الناس من انهيارها حين تتسلّم المعارضة في الاردن المبادرة، وضعتهم أمام النهايات المأسوية بعد ضمان الممسكين بها تكدّس أرصدتهم، وتوافر مظلات محلية و دولية تحميهم من الملاحقة جراء العبث والتجاوز الذي يمارسونه على البشر والحجر.


الدولة المدنية التي يخافون على مصيرها ويخوّفون الناس من انهيارها -حين تتاح للمعارضة الاردنية فرصة المشاركة في السلطة وإدارة شئون الحكم ضمن منافسة عادلة وشريفة- أعادت مواطنيها إلى عصور الكهوف والغابات وخلقت منهم كائنات تنام وتصحو على القلق والرعب والكوابيس, هل هي حقاً الدولة المدنية التي تخوّفون الناس من انهيارها واضمحلالها؟ من قال، إننا لم نمت أحياء من الرعب من «الدولة المدنية» التي لم نرَ مدنيتها قط؟ نشم رائحة الاجهزة الامنية حتى في المناسبات الدينية والرسمية, والمئات اذا لم يكن الآلاف ممن يتعرّضون إلى الإهانات والتعذيب في مراكز الاستجواب، والالاف من المهجّرين والمغربين في أرض الله وجهاته، ومئات الآلاف أيضاً من اللصوص وسرَّاق المال العام الذين يتناسلون كالفطر, دولة مدنية كتلك سنظل نراهن على موهبتها في إعادة الإنسان إلى ما قبل اكتشاف التاريخ، وما قبل اكتشاف وظيفة الحجر, هل نخاف على مستقبلنا من «دولة» بتلك المواصفات؟ وهل بقي شيء من مستقبل في ظل «دولة» كتلك؟ فقط، سنظل نحلم بدولة «مدنية» لا يرسم سياساتها «العسكر» ولا رجال مستوردين، ولا الذين هم طارئون على المعنى والقيمة, ولا رجال يبيعوننا الوطنية وتصرفاتهم تدل على غير ذلك.

تابعو الأردن 24 على google news