المناكفات على المياه العربية
أحمد عبدالباسط الرجوب
جو 24 : تعرف الدول العربية بصفة عامة والشرق الأوسط بصفة خاصة ندرة كبيرة في المياه وافتقارا إلى مصادرها ومنابعها الحيوية بسبب قساوة المناخ و امتداد الصحراء العربية وشدة الحرارة وكثرة التبخر وازدياد النموين: الديمغرافي والاقتصادي . وقد أصبح الماء مادة حيوية تفوق في قيمتها مادة النفط لما له من أهمية في الحياة مصداقا لقوله تعالى:
" وجعلنا من الماء كل شيء حي" .
لقد سنحت لي فرصة من خلال عضويتي باللجنة الفنية ومشاركتي في الجلسات العلمية للمؤتمر العربي الثاني للمياه والذي عقد في مدينة الدوحة بدولة قطر مؤخرا الاطلاع على واقع الوضع المائي في بلادنا العربية ومشكلة ندرة المياه في العالم العربي وتحذيرات من أن الموارد المائية لمعظم الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا بلغت حدودها القصوى وهنا لا بد من التطرق إلى بعدين رئيسيين وهما:
* ما هو حجم مشكلة ندرة المياه في البلدان العربية؟
* ما هي التحديات التي تواجه الأمن المائي العربي؟
ثم يتبع ذلك السؤال الأشمل حول ما هية الحلول المطروحة لتلبية الطلب المتزايد على سلعة المياه عالميا وضمان مدى توفرها للأجيال القادمة؟...
معظم سكان العالم سيواجهون نقصا حادا في إمدادات المياه خلال العقود المقبلة ، مشكلة نبه لها معظم الخبراء والباحثين في مجال المياه أخذين في الاعتبار من أن التوسع السكاني سيفاقم أزمة شح المياه التي تهدد المنطقة العربية المصنفة بأنها تقع تحت خط الفقر المائي.
مشكلة النقص المائي العالمي قد يتحول في مستقبل غير بعيد إلى معضلة دولية قد تنشأ بسببها نزاعات وصراعات بين الدول او على المستوى الاقليمي حيث يشهد مخزون الأرض من المياه العذبة ضغوطا ناجمة عن الاحتباس الحراري والانفجار الديموغرافي والاستهلاك المتزايد للمياه والحاجات المتزايدة لإنتاج الطاقة وفقا للتقارير الصادرة عن الهيئات الدولية وبخاصة التقرير الذي صدر عن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية المعروف إختصارا (إيفاد) ، حيث وصف التقرير الوضع المائي العالمي بالمقلق وبخاصة حركة نزوح كبيرة التي شملت ملايين البشر الى مناطق تعاني نقصا فادحا في المياه وخير مثال على ذلك ما شهدته حركة النزوح مؤخرا من الدول العربية في العراق وسوريا الى دول الجوار وهى الاردن ولبنان اللتان تعانيان اصلا من الفقر والعوز المائي.
يتراوح الطلب العالمي على المياه حسب أرقام الأمم المتحدة بحدود 64 مليار مكعب للمياه لسد حاجة الكثافة السكانية للعالم أجمع والبالغة ستة مليارات ونصف المليار نسمة والسؤال الصعب كيف يمكن مواجهة الطلب على المياه اذا ما بلغ عدد سكان العالم في منتصف القرن الجاري إلى ما يزيد عن تسعة مليارات نسمة؟ يتراوح توزيع استهلاك البشر للمياه إلى حوالي 70% تستغل للري الزراعي و20% تذهب إلى الصناعة في حين الاستهلاك المنزلي لا يتجاوز 10% منه.
أما عن معدل موارد المياه المتجددة في المنطقة العربية سنوياً تبلغ حوالي 350 مليار متر مكعب، وتغطي نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة ، إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب ، وعن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب. وتحصل الزراعة المروية على نصيب الأسد من موارد المياه في العالم العربي، حيث تستحوذ في المتوسط على 88%، مقابل 6.9% للاستخدام المنزلي، و5.1% للقطاع الصناعي
يكتسب موضوع المياه أهمية خاصة في الوطن العربي بالنظر لمحدودية المتاح منها لمياه الشرب وطبقاً للمؤشر الذي يفضي إلى ان أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنوياً عن 1000- 2000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية، وبناءً على ذلك فان 13 بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية ، أما عن معدل تزويد المواطن العربي بالمياه العذبة فقد كان سنة 1960 من القرن الماضي 3300 متر مكعب ثم تراجعت سنة 1999 من نفس القرن إلى قرابة 1500 متر مكعب ، ومن المتوقع ان تتناقص سنة 2025 إلى 500 متر مكعب (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) ، علما بأن متوسط استهلاك المواطن العربي من المياه العذبة حاليا يصل إلى حدود 1100 متر مكعب مقارنة مع المعدل العالمي 8900 متر مكعب ، فالمقارنة واضحة وتدل بشيء من الوضوح لا لبس فيها بأننا نقترب من العطش ، والسؤال ماذا في جعبتنا لقادم الايام؟ وماذا نحن فاعلون؟
تصل مساحة الوطن العربي إلى 9% من اجمالي مساحة العالم ويضم تجمعاً بشرياً يعد الخامس في العالم ويمثل سكان العالم العربي أكثر من 5% من سكان العالم ومع ذلك لا يتجاوز نصيبة من المياه العذبة 1% المتوفرة على هذه الارض ، وضع هش صنعه مناخ جاف مساحة تشكل الصحاري 87% منها ونمو سكاني متسارع بلغت نسبته 2,6% إضافة إلى زيادة كبيرة في الاستهلاك نتيجة لاتساع المدن وزيادة الأنشطة الاقتصادية.
أجمع العديد من الباحثين والخبراء في ابحاثهم ومداولاتهم في المحافل والمؤتمرات والمنتديات الدولية في مجال المياه ان هناك دورا للسياسة في حصول النزاعات المسلحة حول المياه ، وقد احتلت مسألة الأمن المائي خلال السنوات الأخيرة الماضية المكانة الأولى في سلم الأولويات واصبح الحديث عنها لا يقل عن أهمية الحديث عن الأمن العسكري حيث اشارت بعض المعطيات والبيانات بانه جرى 20 نزاعا مسلحا كانت المياه محورا أساسيا فيها، وكان النصيب الاكبر فيها لإسرائيل وحدها صلة بـ 18 نزاعا منها .
النزاع على المياه العربية
غدا موضوع المياه مرشحاً لإشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط وفقاً لتحليل دوائر سياسية عالمية ، خاصة ان اغلب الأقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها ، فأثيوبيا وتركيا وغينيا وإيران والسنغال
تشيرالتقديرات الواردة بتقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 تشير إلى أن الحجم الإجمالي لموارد المياه المتوافرة في البلدان العربية نحو (300) مليار متر مكعب سنويا، معظمها من مياه الأنهار (277) مليار متر مكعب سنويا، ينبع (43%) منها في البلدان العربية، و(57%) من البلدان المجاورة، مما يجعل البلدان العربية عرضة للضغوط من الكثير من دول الجوار حيث تحاول البلدان المجاورة استغلال مياه الأنهار المشتركة لصالحها على حساب مصالح البلدان العربية المشروعة فقد قامت إسرائيل بمساعدة أثيوبيا في بناء ثلاثة سدود على نهر النيل الأزرق للتحكم بمياه نهر النيل، ، ومن جهة أخرى بين العرب ودول الجوار المتمثلة بتركيا باعتبار أن تركيا تمتلك أطول حدود مع دولتين عربيتين هما سوريا والعراق وتشترك معهما في منابع دجلة والفرات حيث قامت تركيا بتنفيذ مشروع الجاب على مجاري نهري دجلة والفرات، ويشتمل المشروع على سبعة سدود على نهر الفرات وستة سدود على نهر دجلة. وقد تسببت هذه السدود بحرمان العراق من حصته المائية المقررة بموجب الاتفاقيات الدولية ، الأمر الذي أدى إلى تصحر مساحات شاسعة من أراضيه الزراعية، وارتفاع نسب الملوحة فيها، مما يستلزم إعادة استصلاحها إذا ما أريد زراعتها ثانيا. وقامت إيران بتحويل مجاري بعض الأنهار مثل أنهار الكارون وديالى والوند إلى داخل أراضيها بدلا من وجهتها المعتادة نحو العراق، مما حرم مدنا وقرى كثيرة من مواردها المائية دون وجه حق. إن ما يثير في هذا الأمر هو التحرك الإسرائيلي والدور الذي تلعبه الصهيونية باتجاه التحالف مع دول المنبع للتنسيق معها لإشعال الأزمة بين دول المنطقة بهدف تحويل الانظار عن الصراع الحقيقي في اغتصابها للارضي الفلسطينية والعربية.
وما يزيد الأمر تعقيداً يكمن فيما يعانيه الوطن العربي من فقر مائي يصل في وقت قريب إلى حد الخطر مع تزايد الكثافة السكانية وعمليات التنمية المتواصلة ، ثلاثة تحديات على العرب مواجهتها لحل مشكلة المياه وهي:
اولاً: قضية مياه نهري دجلة والفرات وكيفية حل ما هو قائم حالياً بين تركيا وسوريا والعراق من جهة، وبين كل من سوريا والعراق من جهة أخرى.
ثانيا: قضية مياه نهر النيل وبما يخص الحقوق المائية للسودان ومصر وخصوصا انه مشترك مع دول غير عربية وبخاصة المشكلة التي خلقتها اثيوبيا بإنشاء سد النهضة الذي باشرت اثيوبيا ببناءه على نهر النيل.
ثالثاً: مطامع إسرائيل باستخدام المياه كعنصر أساسي في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تشكل المياه أحد أهم عناصر الاستراتيجية الإسرائيلية سياسياً وعسكرياً وذلك لارتباطها بخططها التوسعية والاستيطانية في الأراضي العربية. وتشمل تلك الأطماع في الموارد المائية العربية نهر الأردن وروافده ونهر اليرموك وينابيع المياه في الجولان وانهار الليطاني والحاصباني والوزاني في لبنان. إضافة إلى سرقة إسرائيل للمياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة لمصلحة مستوطناتها الاستعمارية.
رابعاً: كيفية مواجهة مخاطر الشح المتزايد في مصادر المياه العربية والمترافقة مع التزايد السكاني والتي تتطلب مواجهتها بذل الجهود العربية المشتركة سياسياً واقتصادياً وعلمياً، من اجل تحديد الأولويات في توزيع الموارد المائية وترشيد استثمارها.
وهنا لابد من وضع البدائل المطروحة لتجاوز الفجوة المائية الحالية ما بين العرض والطلب (الموارد المائية المتاحة والاحتياجات الفعلية للاستهلاك) في المنطقة العربية وعلى النحو التالي:
1. حوكمة المياه في المنطقة العربية إدارة الندرة وتأمين المستقبل من خلال تمكين البلدان العربية والمجتمع المدني والقطاع الخاص وغير ذلك من المعنيين من إدارك أوسع للوضع الراهن للموارد المائية في البلاد العربية ووضع أزمة المياه في سياق اجتماعي اقتصادي وبيئي والتدابير الأساسية من أجل إدارة فاعلة وكفؤة للموارد المائية والدور المتكامل الذي تؤديه حوكمة المياه في التنمية البشرية المستدامة على مستوى المنطقة العربية
2. ترشيد استهلاك الموارد المائية المتاحة ويتمثل برفع كفاءة وصيانة وتطوير شبكات نقل وتوزيع المياه، تطوير نظم الري، وكذلك استنباط سلالات وأصناف جديدة من المحاصيل تستهلك كميات اقل من المياه، وتتحمل درجات أعلى من الملوحة
3. تنمية الموارد المائية المتاحة ، هناك عدة جوانب يجب الاهتمام بها مثل: إقامة السدود والخزانات وتقليل فاقد المياه عن طريق البخر من أسطح الخزانات ومجاري المياه وكذلك التسريب من شبكات نقل المياه
4. إضافة موارد مائية جديدة وهو الموضوع الأهم من وجهة نظرنا وخصوصاً لدول الخليج العربية، فيمكن تحقيقه من خلال إضافة موارد مائية غير تقليدية (اصطناعية) ويمكن تحقيق ذلك عن طريق استغلال موردين مهمين هما مياه الصرف الصحي ومياه التحلية ولعل هذا الموضوع هو من أهم المواضيع التي يجب على الدول الفقيرة بالموارد المائية الطبيعية، ومنها دول الخليج العربية ، الاهتمام بها والتركيز عليها كمصدر أساسي ومتجدد (غير ناضب) للميـاه. فعلى سبيل المثال تمثل مياه البحر المحلاة اكثر من 75% من المياه المستخدمة في دول الخليج العربية أما مياه الصرف سواءً الصناعي أو الزراعي او الصحي ، يمكن معالجتها بتقنيات حديثة وإعادة استخدامها في ري الأراضي الزراعية وفي الصناعة وحتى للاستخـدام الآدمي (تحت شروط وضوابط معينة) بدلاً من تصريفها دون معالجة إلى المسطحات المائية
وختاما اتوجه بنداء عاجل وعلى طاولة الامين العام لجامعة الدول العربية للدعوه لعقد قمة عربية بشأن " تحديات الامن المائي في الوطن العربي " لوضع الحلول والخطط لمواجهة إحتمالات الصراع على المياه خدمة للاجيال القادمة ".
" وجعلنا من الماء كل شيء حي" .
لقد سنحت لي فرصة من خلال عضويتي باللجنة الفنية ومشاركتي في الجلسات العلمية للمؤتمر العربي الثاني للمياه والذي عقد في مدينة الدوحة بدولة قطر مؤخرا الاطلاع على واقع الوضع المائي في بلادنا العربية ومشكلة ندرة المياه في العالم العربي وتحذيرات من أن الموارد المائية لمعظم الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا بلغت حدودها القصوى وهنا لا بد من التطرق إلى بعدين رئيسيين وهما:
* ما هو حجم مشكلة ندرة المياه في البلدان العربية؟
* ما هي التحديات التي تواجه الأمن المائي العربي؟
ثم يتبع ذلك السؤال الأشمل حول ما هية الحلول المطروحة لتلبية الطلب المتزايد على سلعة المياه عالميا وضمان مدى توفرها للأجيال القادمة؟...
معظم سكان العالم سيواجهون نقصا حادا في إمدادات المياه خلال العقود المقبلة ، مشكلة نبه لها معظم الخبراء والباحثين في مجال المياه أخذين في الاعتبار من أن التوسع السكاني سيفاقم أزمة شح المياه التي تهدد المنطقة العربية المصنفة بأنها تقع تحت خط الفقر المائي.
مشكلة النقص المائي العالمي قد يتحول في مستقبل غير بعيد إلى معضلة دولية قد تنشأ بسببها نزاعات وصراعات بين الدول او على المستوى الاقليمي حيث يشهد مخزون الأرض من المياه العذبة ضغوطا ناجمة عن الاحتباس الحراري والانفجار الديموغرافي والاستهلاك المتزايد للمياه والحاجات المتزايدة لإنتاج الطاقة وفقا للتقارير الصادرة عن الهيئات الدولية وبخاصة التقرير الذي صدر عن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية المعروف إختصارا (إيفاد) ، حيث وصف التقرير الوضع المائي العالمي بالمقلق وبخاصة حركة نزوح كبيرة التي شملت ملايين البشر الى مناطق تعاني نقصا فادحا في المياه وخير مثال على ذلك ما شهدته حركة النزوح مؤخرا من الدول العربية في العراق وسوريا الى دول الجوار وهى الاردن ولبنان اللتان تعانيان اصلا من الفقر والعوز المائي.
يتراوح الطلب العالمي على المياه حسب أرقام الأمم المتحدة بحدود 64 مليار مكعب للمياه لسد حاجة الكثافة السكانية للعالم أجمع والبالغة ستة مليارات ونصف المليار نسمة والسؤال الصعب كيف يمكن مواجهة الطلب على المياه اذا ما بلغ عدد سكان العالم في منتصف القرن الجاري إلى ما يزيد عن تسعة مليارات نسمة؟ يتراوح توزيع استهلاك البشر للمياه إلى حوالي 70% تستغل للري الزراعي و20% تذهب إلى الصناعة في حين الاستهلاك المنزلي لا يتجاوز 10% منه.
أما عن معدل موارد المياه المتجددة في المنطقة العربية سنوياً تبلغ حوالي 350 مليار متر مكعب، وتغطي نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة ، إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب ، وعن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب. وتحصل الزراعة المروية على نصيب الأسد من موارد المياه في العالم العربي، حيث تستحوذ في المتوسط على 88%، مقابل 6.9% للاستخدام المنزلي، و5.1% للقطاع الصناعي
يكتسب موضوع المياه أهمية خاصة في الوطن العربي بالنظر لمحدودية المتاح منها لمياه الشرب وطبقاً للمؤشر الذي يفضي إلى ان أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنوياً عن 1000- 2000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية، وبناءً على ذلك فان 13 بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية ، أما عن معدل تزويد المواطن العربي بالمياه العذبة فقد كان سنة 1960 من القرن الماضي 3300 متر مكعب ثم تراجعت سنة 1999 من نفس القرن إلى قرابة 1500 متر مكعب ، ومن المتوقع ان تتناقص سنة 2025 إلى 500 متر مكعب (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) ، علما بأن متوسط استهلاك المواطن العربي من المياه العذبة حاليا يصل إلى حدود 1100 متر مكعب مقارنة مع المعدل العالمي 8900 متر مكعب ، فالمقارنة واضحة وتدل بشيء من الوضوح لا لبس فيها بأننا نقترب من العطش ، والسؤال ماذا في جعبتنا لقادم الايام؟ وماذا نحن فاعلون؟
تصل مساحة الوطن العربي إلى 9% من اجمالي مساحة العالم ويضم تجمعاً بشرياً يعد الخامس في العالم ويمثل سكان العالم العربي أكثر من 5% من سكان العالم ومع ذلك لا يتجاوز نصيبة من المياه العذبة 1% المتوفرة على هذه الارض ، وضع هش صنعه مناخ جاف مساحة تشكل الصحاري 87% منها ونمو سكاني متسارع بلغت نسبته 2,6% إضافة إلى زيادة كبيرة في الاستهلاك نتيجة لاتساع المدن وزيادة الأنشطة الاقتصادية.
أجمع العديد من الباحثين والخبراء في ابحاثهم ومداولاتهم في المحافل والمؤتمرات والمنتديات الدولية في مجال المياه ان هناك دورا للسياسة في حصول النزاعات المسلحة حول المياه ، وقد احتلت مسألة الأمن المائي خلال السنوات الأخيرة الماضية المكانة الأولى في سلم الأولويات واصبح الحديث عنها لا يقل عن أهمية الحديث عن الأمن العسكري حيث اشارت بعض المعطيات والبيانات بانه جرى 20 نزاعا مسلحا كانت المياه محورا أساسيا فيها، وكان النصيب الاكبر فيها لإسرائيل وحدها صلة بـ 18 نزاعا منها .
النزاع على المياه العربية
غدا موضوع المياه مرشحاً لإشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط وفقاً لتحليل دوائر سياسية عالمية ، خاصة ان اغلب الأقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها ، فأثيوبيا وتركيا وغينيا وإيران والسنغال
تشيرالتقديرات الواردة بتقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 تشير إلى أن الحجم الإجمالي لموارد المياه المتوافرة في البلدان العربية نحو (300) مليار متر مكعب سنويا، معظمها من مياه الأنهار (277) مليار متر مكعب سنويا، ينبع (43%) منها في البلدان العربية، و(57%) من البلدان المجاورة، مما يجعل البلدان العربية عرضة للضغوط من الكثير من دول الجوار حيث تحاول البلدان المجاورة استغلال مياه الأنهار المشتركة لصالحها على حساب مصالح البلدان العربية المشروعة فقد قامت إسرائيل بمساعدة أثيوبيا في بناء ثلاثة سدود على نهر النيل الأزرق للتحكم بمياه نهر النيل، ، ومن جهة أخرى بين العرب ودول الجوار المتمثلة بتركيا باعتبار أن تركيا تمتلك أطول حدود مع دولتين عربيتين هما سوريا والعراق وتشترك معهما في منابع دجلة والفرات حيث قامت تركيا بتنفيذ مشروع الجاب على مجاري نهري دجلة والفرات، ويشتمل المشروع على سبعة سدود على نهر الفرات وستة سدود على نهر دجلة. وقد تسببت هذه السدود بحرمان العراق من حصته المائية المقررة بموجب الاتفاقيات الدولية ، الأمر الذي أدى إلى تصحر مساحات شاسعة من أراضيه الزراعية، وارتفاع نسب الملوحة فيها، مما يستلزم إعادة استصلاحها إذا ما أريد زراعتها ثانيا. وقامت إيران بتحويل مجاري بعض الأنهار مثل أنهار الكارون وديالى والوند إلى داخل أراضيها بدلا من وجهتها المعتادة نحو العراق، مما حرم مدنا وقرى كثيرة من مواردها المائية دون وجه حق. إن ما يثير في هذا الأمر هو التحرك الإسرائيلي والدور الذي تلعبه الصهيونية باتجاه التحالف مع دول المنبع للتنسيق معها لإشعال الأزمة بين دول المنطقة بهدف تحويل الانظار عن الصراع الحقيقي في اغتصابها للارضي الفلسطينية والعربية.
وما يزيد الأمر تعقيداً يكمن فيما يعانيه الوطن العربي من فقر مائي يصل في وقت قريب إلى حد الخطر مع تزايد الكثافة السكانية وعمليات التنمية المتواصلة ، ثلاثة تحديات على العرب مواجهتها لحل مشكلة المياه وهي:
اولاً: قضية مياه نهري دجلة والفرات وكيفية حل ما هو قائم حالياً بين تركيا وسوريا والعراق من جهة، وبين كل من سوريا والعراق من جهة أخرى.
ثانيا: قضية مياه نهر النيل وبما يخص الحقوق المائية للسودان ومصر وخصوصا انه مشترك مع دول غير عربية وبخاصة المشكلة التي خلقتها اثيوبيا بإنشاء سد النهضة الذي باشرت اثيوبيا ببناءه على نهر النيل.
ثالثاً: مطامع إسرائيل باستخدام المياه كعنصر أساسي في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تشكل المياه أحد أهم عناصر الاستراتيجية الإسرائيلية سياسياً وعسكرياً وذلك لارتباطها بخططها التوسعية والاستيطانية في الأراضي العربية. وتشمل تلك الأطماع في الموارد المائية العربية نهر الأردن وروافده ونهر اليرموك وينابيع المياه في الجولان وانهار الليطاني والحاصباني والوزاني في لبنان. إضافة إلى سرقة إسرائيل للمياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة لمصلحة مستوطناتها الاستعمارية.
رابعاً: كيفية مواجهة مخاطر الشح المتزايد في مصادر المياه العربية والمترافقة مع التزايد السكاني والتي تتطلب مواجهتها بذل الجهود العربية المشتركة سياسياً واقتصادياً وعلمياً، من اجل تحديد الأولويات في توزيع الموارد المائية وترشيد استثمارها.
وهنا لابد من وضع البدائل المطروحة لتجاوز الفجوة المائية الحالية ما بين العرض والطلب (الموارد المائية المتاحة والاحتياجات الفعلية للاستهلاك) في المنطقة العربية وعلى النحو التالي:
1. حوكمة المياه في المنطقة العربية إدارة الندرة وتأمين المستقبل من خلال تمكين البلدان العربية والمجتمع المدني والقطاع الخاص وغير ذلك من المعنيين من إدارك أوسع للوضع الراهن للموارد المائية في البلاد العربية ووضع أزمة المياه في سياق اجتماعي اقتصادي وبيئي والتدابير الأساسية من أجل إدارة فاعلة وكفؤة للموارد المائية والدور المتكامل الذي تؤديه حوكمة المياه في التنمية البشرية المستدامة على مستوى المنطقة العربية
2. ترشيد استهلاك الموارد المائية المتاحة ويتمثل برفع كفاءة وصيانة وتطوير شبكات نقل وتوزيع المياه، تطوير نظم الري، وكذلك استنباط سلالات وأصناف جديدة من المحاصيل تستهلك كميات اقل من المياه، وتتحمل درجات أعلى من الملوحة
3. تنمية الموارد المائية المتاحة ، هناك عدة جوانب يجب الاهتمام بها مثل: إقامة السدود والخزانات وتقليل فاقد المياه عن طريق البخر من أسطح الخزانات ومجاري المياه وكذلك التسريب من شبكات نقل المياه
4. إضافة موارد مائية جديدة وهو الموضوع الأهم من وجهة نظرنا وخصوصاً لدول الخليج العربية، فيمكن تحقيقه من خلال إضافة موارد مائية غير تقليدية (اصطناعية) ويمكن تحقيق ذلك عن طريق استغلال موردين مهمين هما مياه الصرف الصحي ومياه التحلية ولعل هذا الموضوع هو من أهم المواضيع التي يجب على الدول الفقيرة بالموارد المائية الطبيعية، ومنها دول الخليج العربية ، الاهتمام بها والتركيز عليها كمصدر أساسي ومتجدد (غير ناضب) للميـاه. فعلى سبيل المثال تمثل مياه البحر المحلاة اكثر من 75% من المياه المستخدمة في دول الخليج العربية أما مياه الصرف سواءً الصناعي أو الزراعي او الصحي ، يمكن معالجتها بتقنيات حديثة وإعادة استخدامها في ري الأراضي الزراعية وفي الصناعة وحتى للاستخـدام الآدمي (تحت شروط وضوابط معينة) بدلاً من تصريفها دون معالجة إلى المسطحات المائية
وختاما اتوجه بنداء عاجل وعلى طاولة الامين العام لجامعة الدول العربية للدعوه لعقد قمة عربية بشأن " تحديات الامن المائي في الوطن العربي " لوضع الحلول والخطط لمواجهة إحتمالات الصراع على المياه خدمة للاجيال القادمة ".