فلسطين.. والربيع العربي!
منذ فترة ليست بالوجيزة لم نعد نسمع عن فلسطين، لا القضية ولا الإنسان ولا التاريخ. ولم نعد نتغنى بالدور الحضاري للقدس وبرتقال يافا وإطلالة عكا وسهول مرج بن عامر. كما لم نعد نسمع عن حق العودة إلا على استحياء وعلى عجل. وتراجع مبدأ المطالبة بالحقوق المغتصبة والمسلوبة، لصالح البحث عما يسمى بالحقوق المنقوصة في هذا القطر او ذاك من أقطار الأمة العربية.
كما غاب عن ذاكرة يوميات القومية العربية مصطلحي الخليج الثائر والمحيط الهادر، ولم نعد نسمع عنهما إلا ما يدعو للتعجيل بإنقراض ملامحمها، خاصة في زحمة الحديث عن العولمة والشرق اوسطية والمتوسطية، والتعري أمام مخرجات هذه المفردات البغيضة. في حين ما نسمعه اليوم ونشاهده لا يخرج عن الحروب العربية البينية، الباردة والساخنة، و» إبداعات الهوليوود» عن سقوط بغداد، وتهشيم شوارع الفيحاء وصنعاء وميدان التحرير وبني غازي وتونس. والمظاهرات التي تسقط -بضم التاء- وترفع من تشاء، دون أن ندري ما القادم....لكن لا شيء عن فلسطين.. سواء القضية أم الشعب...أم القادم..!!
يحزنني أن تتراجع أهمية قضيتنا المركزية الأولى، القضية الفلسطينية، ويدمي قلبي عدم معرفة العامة بأهمية فلسطين لحاضر ومستقبل الأمة، وتأثيرها على الوحدة العربية، حيث تقع من الأمة موقع القلب. وأصبح الطريق سالكاً بجميع الإتجاهات أمام الكيان الصهيوني للإستمرار في تهوديها. وبالرغم من أنني لا أنظر إلى تهوديها، كقضية بحد ذاتها، لأن الإحتلال الصهيوني زائل لا محالة، لكن ما يدمي القلب هو العمل على ترحيل القضية إلى الأجيال القادمة دون أن نقوم بواجبنا، من تطوان إلى المحمرة.
لقد تلاشى الإهتمام العربي في شوارع العروبة، وطغت ألوان الدماء القانية، التي تسيل إلى اللاشيء، خاصة في مقديشو وبغداد وسبها وغيرها، على دماء الفلسطينيين التي تسيل دفاعا عن الحرمات والمقدسات. مع وجوب الإعتراف بأن إنتصارات «إسرائيل» على الإرادة العربية، لم تقتصر على الحروب المباشرة، وإنما تجاوزت ذلك لتصل إلى ما يسمى بالعملية السلمية. فقد انتصرت علينا بتمكنها الفريد بتحويل صراعها مع العرب، من صراع إسلامي- يهودي وعربي- صهيوني وإسرائيلي-عربي إلى صراع فلسطين- إسرائيلي، مما ساهم في تقزيم القضية الفلسطينية وتحويلها من صراع وجود وحق تاريخي للأمة العربية، إلى أرض متنازع عليها بين طرفين، كل يدعي الحق بترابها...!!! وهذا يمثل انتصارا، قد يكون، أعظم من إنتصار تأسيس الدولة الصهيونية سنة 1948.
بكل أسف، أصبح ما يجمعنا، معشر العرب، هو الجغرافية والمذهب والطائفة والعشيرة والأنا، وعلى حساب الهم الجمعي لأبناء الأمة العربية. فلذلك أعتقد بأن فلسطين عاتبة... غاضبة... حانقة... علينا جميعاً، لأننا لم نحرك ساكناً، وهي تئن بين يدي مغتصبها، الذي يمثل أعتى الحركات الاستيطانية التي عرفتها البشرية...إنه لا يرحمها ولا تآخذه إلاً ولا ذمة في ضعفها.
أنا لا أدعو لشن حرب على « إسرائيل» اليوم أو غدا، ولكنني أرى بأن الوطن العربي وجواره لن يعيش الأمن ولإستقرار، إلا بحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة المغتصبة. وهنا فقط تستطيع «إسرائيل» أن تنعم بشرعية الوجود. الراي
alrfouh@hotmail.com