قرار التعليم العالي خطوة في الاتجاه الصحيح!
كان خريف عاصمة الضباب- لندن- عام 1943 ثقيلاً على صانع القرارالبريطاني، وتحديداً رئيس الوزراء «ونستون تشيرل». فقد كانت نتائج الحرب العالمية الثانية غير واضحة، ومازالت متأرجحة بين إحتمالية إنتصار ألمانيا ودول المحور أو بريطانيا والحلفاء. وفي اللحظة التي كان يطل فيها «تشرشل» من مقر إقامته في (10 Downing Street) ويرى جحيم غضب النازيين يتناثر فوق عاصمته التي لا تغيب الشمس عن إمبراطوريتها آنذاك، كان ينظر إلى السماء ويبتسم قائلا «أعجب بالرجل الذي يقاتل وهو يبتسم»، إلا أن تلك الإبتسامة لا تلبث أن تتلاشى أمام تقارير مساعديه عما وصفوه بإستشراء الفساد في مفاصل الإدارة البريطانية.
وقد كان «تشرشل» يسأل عن حجم إستشراء هذه الحاله الخطيرة، وهل وصل شرارها إلى وزارتي التربية والتعليم العالي والعدل. وعادة ما تنفرج أساريرة، مؤكداً بأن بريطانيا العظمى ستنتصر، حينما يعلم بأن هذه الآفة القاتلة مازالت بعيدة عن أن تنال من هذين الحقلين المهمين والهامين في خلق الجيل وتوجيهه.
تذكرني هذه الحالة بقرار وزارة التعليم العالي الاردني الصائب والقاضي بسحب الاعتراف ببعض الجامعات الخاصة في أكثر من قطر عربي، الأمر الذي يشير الى جدية واضحة لإصلاح التعليم العالي، والرقي بمخرجاته، لما فيه مصلحة الوطن والمواطن.
كما أرى بأن هذا القرار يمكن اعتباره بأنه من اهم قرارات وزارة التعليم العالي، لأن الدولة هي الأولى برعاية عقل وصحة الإنسان. فقد كان «المهاتما عاندي» يؤكد بأن القطاع الخاص ظاهرة وطنية تستحق التقدير والدعم والتشجيع، شريطة أن تبتعد عن مجالي، عقل الانسان وبدنه. لهذا استطاعت الهند أن تخلق برجوازية وطنية ساهمت في بناء الدولة الهندية وبطريقة اوصلتها إلى مصاف الدول العظمى، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.
إلا أن الحالة الأردنية، وبكل أسف، كانت وما زالت بعيدة عن خلق برجوازية وطنية منتمية للأردن وشعبه، بل يعد بعض مفاصلها من اسواء أصناف البرجوازية العالمية، حيث هدفها لا يتعدى إضافة المزيد من الأصفار لرصيد حساباتها، والتي عادة ماتكون خارج حدود الأردن، وبطرق عادة ما تكون في معظمها ملتوية وغير مشروعة وعلى حساب الأردن ومصالح شعبه.
أعتقد بأن ما قامت به وزارة التعليم العالي الأردنية من خطوة إصلاحية متقدمة، والتي قطعاً سيكون لها ما بعدها، وفي تأسيسها لنهج إصلاحي يهدف لحماية الإنسان وتطوير إبداعه اولاً، وبناء الوطن ثانياً، يمثل خطوة ريادية في الإتجاه الصحيح. وقطعا سيكون لهذا القرار الوطني والجريء، الكثير من المبغضين وغير المريدين، خاصة من لدن أصحاب المصالح، والتي في معظمها مصالح غير مشروعة ولا تلتقي مع المصلحة الوطنية الأردنية. ولأن مسيرة الوطن تنظر بــ»إشمئزاز» ورفض إلى المصالح الأنانية الضيقة لبعض الفئات، إذا كانت لا تلتقي مع مشروعية الحق العام للدولة، انسانا ووجودا، فإنني أزعم بأن معظم المهتمن بالشأن العام، وتحديداً الوسط الأكايمي الرسمي، استقبلوا قرار وزارة التعليم العالي بكثير من التأييد والإرتياح والأمل. لأن هذا القرار يهدف إلى خلق إنسان أردني عربي يتحمل مسؤولياته الوطنية والقومية، ويساهم في جعل الأردن مناراً للفكر القومي التقدمي، كيف لا والأردن بالأصل مشروع قومي وحدوي.(الراي)
alrfouh@hotmail.com