jo24_banner
jo24_banner

الفأر !

نبيل غيشان
جو 24 : "إذا كنت في قعر حفرة وتود الخروج فعليك أولا أن تتوقف عن الحَفْر" .
هربًا من الواقع السياسي والاقتصادي المر، فإن الكاتب والصحافي يحاول أن يشطح مرة أو يعود إلى أساليب الاستخفاء أو التغمية، ليس خوفًا من التبعات وتكلفتها السياسية، بل حرصًا على إيصال الفكرة النبيلة إلى القارئ. وأنا اليوم أحاول أن أستعيد مِن التراث القديم قصة مضحكة مُبكية سمعتها في "مقاعد الرجال" منذ ما يزيد على ثلاثة عقود.
يُحكى أن فأرًا كان مستوطنا أحد بيوت الفقراء، وكان حال هذا الفأر ليس بأفضل حالاً من حال صاحب البيت، فمرة يتوفر لديه غذاء يومه ومرات أخرى ينام على الجوع، إلى أن هزل وخسر الكثير من وزنه وأصبح جسمه نحيلا ولم يعد يقوى على الحركة ، فأخذ ينام ويصحو منتظرا وفاته.
وفي أحد الأيام فتح الفأر المحتضر عينيه على المكان المحيط به، فوقع بصره على كتلة ضخمة الحجم، وعندما اشتم رائحتها ذاق الطعم فوجد أنها حبة قَرْعٍ كبيرة، وعلى الفور بادر الفأرالمفجوع إلى فتح ثقب صغير في جدار "القرعة" يوازي محيط جسده النحيل المتهالك ، ودخل داخلها مُهللا مُسبحا، وأطلق العنان لأسنانه الحادة تنهش بشراسة ليل نهار من دون توقف أو حتى تفكير في النوم أو أخذ استراحة لفكيه، وكان كل همه أن يعوض الحرمان طيلة الأسابيع الماضية.
وبقي الفأرعلى نهمه المتواصل أسبوعين داخل "القرعة" فاتخذها مَطعمًا وفُندقًا وهو يمارس الأكل من دون عناء ، إلى أن عادت إليه روحه من جديد واكتسى عظمه لحمًا وشحمًا، لكنه شعر أن الطعام بدأ ينفد وهو يزداد وزنًا وحجمًا إلى أن أتى على كل شيء داخل "القرعة" التي تحولت قشرتها الخارجية إلى هيكل عظمي شديد القساوة يصعب قضمه. ولم يستطع الفأر ان يخترق الجدار المحيط به، ففشل في عمل ثقب كبير يؤمن خروجًا مُشرفًا لجثته الضخمة.
فكَّر الفأر المكتنز لحمًا كثيرا في أسلوب للخروج، فعاد إلى الثقب الذي دخل منه الى "القرعة" فوجده ضيقًا لم يعد يتناسب مع ضخامة حجمه الجديد مقارنة مع أيام الفقر والجوع قبل دخوله "القرعة"، لكنه لم يستطع لان جسمه تضخم واصبح الثقب لا يستوعبه، فحاول وحاول ان "يدفش" جسمه لكن من دون جدوى، فحجمه لا يناسب وضعه الجديد.
وبقي الفأر محتارا كيف يؤمن خروجه لا سيما ان المكان لم يعد فيه غذاء يسد به رمقه، فعاد إلى ما كان يمارسه في السابق ؛ النوم ثم النوم، وبقي على هذه الحال اسبوعين وفي صبيحة كل يوم كان يعود إلى الثقب ليجرب ويحاول الخروج لكن من دون جدوى، وبعد أن قضى ثلاثة أسابيع وهو في حيرة وجوع وعطش، هزل جسمه وعاد إلى حجمه الأول قبل دخول "القرعة". وفي إحدى المحاولات نجح في الخروج من الثقب الذي دخل منه.
لكن خروجه كلفه خسارة كل الشحوم واللحوم التي اكتنزها في رحلته داخل"القرعة" والعودة الى حجمه السابق ايام الجوع حتى استطاع ان يعبر "ثقب الفقر" لكنه عاد منهكا جائعا وعطشانا وبات يبحث عما يسد رمقه، عله يجد مغامرة جديدة يكررها!
وهذا حالنا مع الحكومات المتعاقبة التي "نفختنا" وعلمتنا او اجبرتنا على الاسراف والاستهلاك الذي لا يتناسب وحجمنا او قدرتنا كأفراد او بلد والآن تريد الحكومة ان "نفطم" ونعود الى حياتنا السابقة قبل ثلاثين عاما؛ فهل نستطيع؟
قال احد الحكماء قديما "اذا كنت في قعر حفرة وتود الخروج فعليك اولا ان تتوقف عن الحَفْر".

nghishano@yahoo.com



(العرب اليوم)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير