«تيلثون» لدعم الخزينة
نبيل غيشان
جو 24 : يصر رئيس الوزراء د.عبد الله النسور على أن بديل قرار رفع الأسعار سيكون أسوأ، وهو كلام مفهوم إذا افترضنا أن الحكومة ستضع يدها على خدِّها وتنتظر الانهيار التام، لا أحد يشكك في وضع الخزينة العامة، وأن خيار اللجوء إلى صندوق النقد الدولي دواء لا بد من تناوله، لكن الدواء أنواع، منه الحلو والمرّ ومنه الأحمر والأخضر، ومن أصنافه الإبر والحبوب والمراهم حتى "التحاميل"، والطبيب الماهر هو من يصف الدواء المناسب من دون أن يزيد من معاناة المريض بإبعاد خوفه.
وما ينطبق على حالتنا أن الحكومة ركضت إلى صندوق النقد ووقعت اتفاقية قرض بقيمة ملياري دولار بشروط أولها رفع الدعم الحكومي، لكنها لم تكن الوصفة الناجعة في وقتها أو كميتها. ألم يكن بالإمكان جدولة عملية رفع الدعم وتقسيمها على سنة كاملة أو اكثر حتى لا يشعر بها المواطن وتخفيف الأعباء عليه من دون مفاقمتها، هل كان الصندوق سيقطع رؤوسنا، فهو يطلب رفع الدعم ولا يشترطه في يوم وليلة.
نعرف أن إلغاء القرار اليوم ليس سهلا وكذلك الإبقاء عليه، ففي الحالتين هناك تكلفة اقتصادية وسياسية واجتماعية لا بد من دفعها، لكن إيجاد حل مرض لا بد أنه يسحب "الذرائع" التي حركت الشارع وأثارت غضبه.
فإذا أُلغي القرار وعادت الأمور إلى نصابها فإن مشكلة الموازنة ستتفاقم ويتم تأجيل الحسم فيها، فالمشكلة ليست عابرة بل متأصلة في بنية الاقتصاد الأردني نفسه، ولا حل دائما إلا بدعم عربي عاجل من "أجل البقاء" ريثما تبدأ الحلول الاقتصادية الحقيقية في إعطاء مردودها وأولها محاربة الفساد بجدية أكبر، والمقصود ليس من سرق المال وأثرى، بل أيضا كل من أساء إدارة المال العام خلال الأعوام الماضية وهم كثر.
إذا تمت معالجة قضية الفساد بطريقة مقنعة وموثوقة فإن الدول العربية والمواطن الأردني سيتنافسون في المساعدة والتبرع لإنقاذ الاقتصاد، لماذا لا تفكر الدولة بـ "نخوة" الأردنيين وطلب مساعدتهم، أثرياء وغيرهم، للتبرع للخزينة في هبة شعبية أردنية على شكل "تيلثون"، فالأردنيون لن يقصروا وسيندفعون للتبرع بالدينار والخمسة والعشرة والألف وهو ما سيحرك أصحاب الملايين أو يحرجهم، فما فائدة الملايين من دون وطن آمن مستقر؟
وللتذكير فقط فإن الأردنيين سبق أن تبرعوا في نهاية الستينيات من جيوبهم لبناء مدينة الحسين الرياضية لتكون صرحا ورمزا وطنيا وقبلها تبرعوا من أجل شراء بناء مقر للسفارة الجزائرية في عمان بعد نجاح الثورة، وما زلنا نتذكر الحماس منقطع النظير الذي انتاب الأردنيين على شاشة التلفزيون الأردني عندما أقيم "تيلثون" من أجل جمع التبرعات لإنشاء مركز الحسين للسرطان في أواخر العقد الماضي.
بالفعل فإن الأردنيين تجدهم عندما "تنخاهم" فيندفعون من أجل الوطن والدفاع عنه وعن كرامته ولا يمكن أن يبخلوا عليه لا بدمائهم ولا بأموالهم، لأن كل شيء يرخص ويهون من أجل الوطن.
أما العرب فإنهم يعرفون الصحيح ويعرفون أن المصائر مترابطة كالمصائب، فلا فائدة من ثرائك إذا كان جارك لا يجد لقمة عيشه، وهذا ما نراه بين الدول الأوروبية التي تهب لمساعدة بعضها بعضا ليس خوفا على دولة هنا أو هناك بل خوفا على أنفسهم جميعا.
بعد الحرب العالمية الثانية خرجت أوروبا منهكة وكانت الولايات المتحدة في عز قوتها العسكرية والاقتصادية، فأطلقت مشروع مارشال لـ"إعادة تعمير أوروبا وتشغيل اقتصادها ومصانعها"عبر إنفاق 13 مليار دولار أمريكي، وعندما انهار الاتحاد السوفييتي وجدت دول أوروبا الشرقية الأبواب مفتوحة للمساعدة الأمر الذي أنقذها من الانهيار والإفلاس ودمجها في القارة الأوروبية.
الحل المطلوب ليس للأردن فقط بل لفلسطين واليمن وسورية ولبنان والسودان حتى الصومال، وهذا بحاجة إلى مشروع عربي نهضوي كبير تخصص له مليارات الدولارات لمساعدة الأشقاء للخروج من أزمتهم وعجزهم الاقتصادي وإطلاق اقتصاداتهم نحو الإنتاج الفاعل في الماكنة العالمية وليصبح العرب فاعلين لا أن يفعل بهم .
فهل نتعظ؟
nghishano@yahoo.com
(العرب اليوم)
وما ينطبق على حالتنا أن الحكومة ركضت إلى صندوق النقد ووقعت اتفاقية قرض بقيمة ملياري دولار بشروط أولها رفع الدعم الحكومي، لكنها لم تكن الوصفة الناجعة في وقتها أو كميتها. ألم يكن بالإمكان جدولة عملية رفع الدعم وتقسيمها على سنة كاملة أو اكثر حتى لا يشعر بها المواطن وتخفيف الأعباء عليه من دون مفاقمتها، هل كان الصندوق سيقطع رؤوسنا، فهو يطلب رفع الدعم ولا يشترطه في يوم وليلة.
نعرف أن إلغاء القرار اليوم ليس سهلا وكذلك الإبقاء عليه، ففي الحالتين هناك تكلفة اقتصادية وسياسية واجتماعية لا بد من دفعها، لكن إيجاد حل مرض لا بد أنه يسحب "الذرائع" التي حركت الشارع وأثارت غضبه.
فإذا أُلغي القرار وعادت الأمور إلى نصابها فإن مشكلة الموازنة ستتفاقم ويتم تأجيل الحسم فيها، فالمشكلة ليست عابرة بل متأصلة في بنية الاقتصاد الأردني نفسه، ولا حل دائما إلا بدعم عربي عاجل من "أجل البقاء" ريثما تبدأ الحلول الاقتصادية الحقيقية في إعطاء مردودها وأولها محاربة الفساد بجدية أكبر، والمقصود ليس من سرق المال وأثرى، بل أيضا كل من أساء إدارة المال العام خلال الأعوام الماضية وهم كثر.
إذا تمت معالجة قضية الفساد بطريقة مقنعة وموثوقة فإن الدول العربية والمواطن الأردني سيتنافسون في المساعدة والتبرع لإنقاذ الاقتصاد، لماذا لا تفكر الدولة بـ "نخوة" الأردنيين وطلب مساعدتهم، أثرياء وغيرهم، للتبرع للخزينة في هبة شعبية أردنية على شكل "تيلثون"، فالأردنيون لن يقصروا وسيندفعون للتبرع بالدينار والخمسة والعشرة والألف وهو ما سيحرك أصحاب الملايين أو يحرجهم، فما فائدة الملايين من دون وطن آمن مستقر؟
وللتذكير فقط فإن الأردنيين سبق أن تبرعوا في نهاية الستينيات من جيوبهم لبناء مدينة الحسين الرياضية لتكون صرحا ورمزا وطنيا وقبلها تبرعوا من أجل شراء بناء مقر للسفارة الجزائرية في عمان بعد نجاح الثورة، وما زلنا نتذكر الحماس منقطع النظير الذي انتاب الأردنيين على شاشة التلفزيون الأردني عندما أقيم "تيلثون" من أجل جمع التبرعات لإنشاء مركز الحسين للسرطان في أواخر العقد الماضي.
بالفعل فإن الأردنيين تجدهم عندما "تنخاهم" فيندفعون من أجل الوطن والدفاع عنه وعن كرامته ولا يمكن أن يبخلوا عليه لا بدمائهم ولا بأموالهم، لأن كل شيء يرخص ويهون من أجل الوطن.
أما العرب فإنهم يعرفون الصحيح ويعرفون أن المصائر مترابطة كالمصائب، فلا فائدة من ثرائك إذا كان جارك لا يجد لقمة عيشه، وهذا ما نراه بين الدول الأوروبية التي تهب لمساعدة بعضها بعضا ليس خوفا على دولة هنا أو هناك بل خوفا على أنفسهم جميعا.
بعد الحرب العالمية الثانية خرجت أوروبا منهكة وكانت الولايات المتحدة في عز قوتها العسكرية والاقتصادية، فأطلقت مشروع مارشال لـ"إعادة تعمير أوروبا وتشغيل اقتصادها ومصانعها"عبر إنفاق 13 مليار دولار أمريكي، وعندما انهار الاتحاد السوفييتي وجدت دول أوروبا الشرقية الأبواب مفتوحة للمساعدة الأمر الذي أنقذها من الانهيار والإفلاس ودمجها في القارة الأوروبية.
الحل المطلوب ليس للأردن فقط بل لفلسطين واليمن وسورية ولبنان والسودان حتى الصومال، وهذا بحاجة إلى مشروع عربي نهضوي كبير تخصص له مليارات الدولارات لمساعدة الأشقاء للخروج من أزمتهم وعجزهم الاقتصادي وإطلاق اقتصاداتهم نحو الإنتاج الفاعل في الماكنة العالمية وليصبح العرب فاعلين لا أن يفعل بهم .
فهل نتعظ؟
nghishano@yahoo.com
(العرب اليوم)