ناقة السلطان ...!!!
تلك قصة ثانية قد تصلح لأن تكون من روائع التاريخ السياسي المعاصر ، بدأت في الماضي القريب ولا تزال أحداثها مستمرة وممتدة حتى هذه الساعة ، الفساد يرمز له بالناقة ، ووحده الله سبحانه يعلم متى سينهي الزمان آخر فصول تلك الحقبة الغريبة من الازمنة.
كان في قديم الزمان سلطان له ناقة ( شرهة) ، ترتع وتمرح في البساتين ، عليها حرّاس شديدين ، لا يقدر على منعها أحد من أهل البلد ، كانت تفسد الحرث وتأكل الزرع وغدت عظيمة السمنة لا تبقي ولا تذر شيئا ألا أكلته أو أهلكته ، مضت سنوات ولم يشتكي أحد ، حتى جاءت سنوات عجاف ، أصبح القوت فيه مقدرا على العباد ، وفي يوم من الأيام إجتمع أهل البلدة بعدما زاد إفساد الناقة للزروع وقرروا أن يشتكوا الى السلطان ، ولكن كيف السبيل وجميعهم بسطاء لا يعرفون كيف يخاطبوا السلطان ، فتبرع أحدهم وقد أنعم الله عليه بقليل من الحكمة وقال : أنا أبدأ بالكلام ولكن أريد منكم التكرار من ورائي ( تفسد الحرث وتأكل الزرع ) عندما أقول أنا كلمة ( ناقتك ) فلا أبدو كمن يتكلم نيابة عن نفسه ، وبعد أن أخذ منهم العهد على أن يرددوا من ورائه (تفسد الحرث وتأكل الزرع) عندما يقول هو كلمة ... ناقتك... أمام السلطان ، وبذلك يشرحوا الوضع للسلطان بأن ناقته تأكل زرع الناس وتشاركهم لقمة عيشهم ، وأنهم يطلبون منه أن يلجم الناقة ويمنعها من التغول على العباد ، وأنهم إن إشتركوا جميعا في مخاطبة السلطان ، فلن يجد بُدا إلا بالإصغاء لهم لأنهم أهل البلد مجتمعين ، وما كان على حكيمنا هذا إلى الإبتداء بالكلام . ساروا جميعا إلى القصر وطلبوا مقابلة السلطان ، وبعد أن أُذن لهم دخلوا جميعا على تردد وإستحياء ، وعندها تقدم الحكيم وسلم ثم قال : بأسم أهل البلدة يا مولاي السلطان.... ناقتك! ، فلم يردد أحد من خلفه بأية كلمة ، فنظر الى الخلف ولسان حاله يقول : تكلموا فهذا دوركم ..... ثم أعاد : يا مولاي ....ناقتك!!!!! ثم نظر وراءه فلم يجد أحدا من أهل البلدة ، فكانوا قد أنسحبوا جميعا من شدة خوفهم وتركوه وحده أمام السلطان .
فرد عليه السلطان : ما بالها ناقتي ؟؟؟؟
وعندما تنبه هذا الحكيم أن الناس قد خذلوه وتركوه وحيدا ، خرج بفكرة تنجيه من موقفه وترفع من حظه ، وبالفعل خرج من مجلس السلطان مكرما معززا وقد حظي برضى السلطان .
ولما إلتقاه أهل البلدة خارج أسوار القصر ، يريدون أن يعرفوا كيف إستطاع إخراج نفسه من الموقف الذي وضعوه فيه متسائلين عما حصل ؟
فأجابهم أنه وعندما تركوه وهربوا من أمام السلطان ، وقد سمع سؤال السلطان عن ما أصاب الناقة ، فما كان منه إلا أن قال:
" ناقتك يا مولاي السلطان .... وحيدة بحاجة الى رفيق "
فتعجب أهل البلدة قائلين : أننا تضررنا بما يكفي من الناقة حتى تطلب أنت من السلطان أن يأتي لها برفيق يزيد من وضعنا سوء ؟
فأجابهم الحكيم: وهل تظنون أن هبة العيش الكريم ستأتيكم مستريحين مستكينين ، فإن أنتم لم ترفعوا صوت الحق فيكم وعن النفاق تمتنعون ، فلن يبقى لكم زرع ولا حتى أرض أنتم لها زارعون ، فادفعوا الظلم عنكم الآن بصوتكم طالما على ذلك تستطيعون ، ولا تتركوا حقوقكم وكأنكم في بلادكم تائهون ، أم أنتم تريدون أن تذهبوا برقبتي من أجل الدفاع عن لقمة عيشكم وأنتم لا تبادرون ، وتسكتون على الظلم ، وللناقة أنتم تاركون ...!!!
تلك هي قصة ناقة السلطان والتي أكلت نصف البلد ، ولم تبقي للناس الا الفتت ، وإن لم يقف الناس لها ستكمل على ما تبقى من البلد .