تايتانيك على الطريقة الأردنية
يوسف غيشان
جو 24 : شاهدت برنامجا على إحدى الفضائيات الوثائقية ، يبين للمشاهد بالتفصيل الممل كيف يتم بناء نموذج كامل لسفينة التايتانيك العملاقة الفخمة التي غرقت عام 1912، وذلك عن طريق مراجعة الفواتير وشراء واستخدام ذات المواد التي صنعت منها السفية بكل ما فيها من زجاج وخشب وحديد ونحاس وذهب وحمامات وثريات وكنبايات ومماسح وشطافات... وخلافه.
تخيلوا ان يضطروا الى البحث في الفواتير عن الورشة التي صنعت المرساة مثلا ، والتأكد عن طريق الفواتير من كميات الحديد والمواد المضافة ، وتصنيعها مرة ثانية بذات الطريقة، وان لم يجدوا ذات الورشة يبحثون عن ورشة مشابهة، ويعدون المواد بذات الأسلوب القديم، لكأننا نعيد استنساخ التايتانيك من ذات الشيفرة الوراثية.
وتخيلوا أيضا لو أردنا في بلادنا أن نعيد تصنيع اي شيء لدينا بالعودة الى الفواتير القديمة.الفكرة بحد ذاتها مضحكة ، لأن الفواتير..فواتيرنا ... لا تعبر على الإطلاق عن واقع الحال ، بل تعبر عن مجموعة من «الكومشنات» والمصالح المعقدة،والعلاقات التوظيفية والتعيينية والشرائية التي تجعل الواقع مجرد فكرة باهتة عن الخيال ..الخيال في التفنن بسرقة الميزانية والدولة بموافقة الجميع وبتواطؤ من الجميع ..بلا استئناء.
لن تجدوا في الأردن ، وفي جميع البلاد العربية ، ما يطابق بين حساب القرايا وحساب السرايا ، فكلنا في الهوا شرق . حيث ان الإعتداء على المال العام سنة ،وليس عيبا، واشتراع فوق التشريعات وفريضة فوق القانون، والسرقة ليست عارا بل شطارة ، ومن يقترفها أو من يعين المئات من اقاربة في الوظائف على حساب الدولة هو المحترم الفاضل الذي لا ينسى أصله وفصله.
لا تصدقوا اننا كنا اقل فسادا لأننا كنا اكثر اخلاقا وتدينا ، لا بالعكس بل ان الناس اليوم اكثر اخلاقا وتدينا من قبل خمسين عاما مثلا ،لكن الموارد كانت شحيحة لذلك اكتفى الفاسدون بالقليل تحت رعاية عائلاتهم وأقاربهم ومريديهم وتلاميذهم.
تخيلوا أننا نريد الان ..اعادة انشاء طريق عمان العقبة ، أو مصنع شركة الفوسفات في الرصيفة ،أو المطار الدولي في زيزيا، أو حتى المركز الثقافي الملكي ومدينة الحسين للشباب وصرح الشهيد ومبنى البرلمان وقناة الغور الشرقية وسد طلال، ومبنى رئاسة الوزراء و و و و و و ، بدون تخصيص أو تنصيص .
سنكتشف أن ما هو مكتوب بالفواتير لا علاقة له بالواقع ، وسنجد مثلا اننا اشترينا (شميمتو) وحديد تسليح لمباني مصنع الفوسفات في الرصيفة مثلا، تبني عشرة مصانع من ذات الحجم . او ان الفواتير تتحدث عن حديد تسليح تخين ، بينما نجد في المباني حديد تسليح مثل معكرونة الزيرو.
لذلك اتمنى على كل من يريد اعادة انتاج الماضي على شكل مشاريع اردنية عامة، أن يبحث عن آلية أخرى للتنفيذ ..غير نسخ العطاءات واساليب التلزيم وفواتير المواد المستخدمة ،ناهيك عن عدد المستخدمين ..وسيلاحظ من يعمل على ذلك فورا ، أن السرقات تحصل بكثافة وتنظيم وكفاءة ، مع ان كل مشروع يتم تعيين اكثر من ثلثي الكادر عددا تحت المسمى الوظيفي : حارس!!
الدستور
تخيلوا ان يضطروا الى البحث في الفواتير عن الورشة التي صنعت المرساة مثلا ، والتأكد عن طريق الفواتير من كميات الحديد والمواد المضافة ، وتصنيعها مرة ثانية بذات الطريقة، وان لم يجدوا ذات الورشة يبحثون عن ورشة مشابهة، ويعدون المواد بذات الأسلوب القديم، لكأننا نعيد استنساخ التايتانيك من ذات الشيفرة الوراثية.
وتخيلوا أيضا لو أردنا في بلادنا أن نعيد تصنيع اي شيء لدينا بالعودة الى الفواتير القديمة.الفكرة بحد ذاتها مضحكة ، لأن الفواتير..فواتيرنا ... لا تعبر على الإطلاق عن واقع الحال ، بل تعبر عن مجموعة من «الكومشنات» والمصالح المعقدة،والعلاقات التوظيفية والتعيينية والشرائية التي تجعل الواقع مجرد فكرة باهتة عن الخيال ..الخيال في التفنن بسرقة الميزانية والدولة بموافقة الجميع وبتواطؤ من الجميع ..بلا استئناء.
لن تجدوا في الأردن ، وفي جميع البلاد العربية ، ما يطابق بين حساب القرايا وحساب السرايا ، فكلنا في الهوا شرق . حيث ان الإعتداء على المال العام سنة ،وليس عيبا، واشتراع فوق التشريعات وفريضة فوق القانون، والسرقة ليست عارا بل شطارة ، ومن يقترفها أو من يعين المئات من اقاربة في الوظائف على حساب الدولة هو المحترم الفاضل الذي لا ينسى أصله وفصله.
لا تصدقوا اننا كنا اقل فسادا لأننا كنا اكثر اخلاقا وتدينا ، لا بالعكس بل ان الناس اليوم اكثر اخلاقا وتدينا من قبل خمسين عاما مثلا ،لكن الموارد كانت شحيحة لذلك اكتفى الفاسدون بالقليل تحت رعاية عائلاتهم وأقاربهم ومريديهم وتلاميذهم.
تخيلوا أننا نريد الان ..اعادة انشاء طريق عمان العقبة ، أو مصنع شركة الفوسفات في الرصيفة ،أو المطار الدولي في زيزيا، أو حتى المركز الثقافي الملكي ومدينة الحسين للشباب وصرح الشهيد ومبنى البرلمان وقناة الغور الشرقية وسد طلال، ومبنى رئاسة الوزراء و و و و و و ، بدون تخصيص أو تنصيص .
سنكتشف أن ما هو مكتوب بالفواتير لا علاقة له بالواقع ، وسنجد مثلا اننا اشترينا (شميمتو) وحديد تسليح لمباني مصنع الفوسفات في الرصيفة مثلا، تبني عشرة مصانع من ذات الحجم . او ان الفواتير تتحدث عن حديد تسليح تخين ، بينما نجد في المباني حديد تسليح مثل معكرونة الزيرو.
لذلك اتمنى على كل من يريد اعادة انتاج الماضي على شكل مشاريع اردنية عامة، أن يبحث عن آلية أخرى للتنفيذ ..غير نسخ العطاءات واساليب التلزيم وفواتير المواد المستخدمة ،ناهيك عن عدد المستخدمين ..وسيلاحظ من يعمل على ذلك فورا ، أن السرقات تحصل بكثافة وتنظيم وكفاءة ، مع ان كل مشروع يتم تعيين اكثر من ثلثي الكادر عددا تحت المسمى الوظيفي : حارس!!
الدستور