سقوط دائم السقوط
يوسف غيشان
جو 24 :
قبل أن يسقط من الأعالي ويموت، يقال ـوالله أعلم ـ بأن سيد الغابات طرزان، صرخ صرخته المعهودة للمرة الأخيرة، لكنها كانت صرخة الهزيمة، وليس النصر ... ثم (طج) على الأرض ... وقال وهو يعاني سكرات الموت:
ـ أموت ...بس اعرف مين اللي دهن الحبال بالزيت!!!!!
هنا تنتهي الحكاية. ولم نعرف بعد إذا ما كان طرزان كان قد عرف من الذي قام بتزييت الحبال مما أدى إلى سقوطه المروع من أعالي الجبال على نافوخه ...غــز!! أم أن المرحوم ترك أرملته (جين) وغادر هذه الفانية دون أن يعرف المزيّت المناوب الذي عجل في قدوم ساعته. لكن حسب المثل العامي :(اللي عقّب ما مات) فان طرزان لم يمت بل ترك وراءه ملايين العرب الذين ماتوا ويموتون بذات الطريقة، دون ان يعرفوا العدو من الصديق، ولا يفرقون بين القاتل والضحية، بين الشرير والطيب. بين الجميل والقبيح.
إن شعبا، لا بل شعوبا وقبائل وبطونا وأفخاذا سقطت وسقطوا. من قمة التاريخ إلى حضيض الجغرافيا، دون أن يحسوا حتى بأنهم سقطوا. لا بل أن بعضهم سقط ومات وهو يعتقد بأنه يعاني من وعكة صحية خفيفة يداويها بالبابونج والشيح والقيصوم والحقن الشرجية وشوربة «سوف وأخواتها».
إن شعوبا... طرازانا، لا بل طرزانات، ماتوا بينما ينساب من بين أصابعهم زيت لا يستضاء به، بل يستعمل فقط لتزييت حبال التاريخ بالمتراخين والمتكلين على الغير والضعفاء ويتامى الأوطان.
إن شعوبا وقبائل وأفخاذا تبين بعد التحقيق والتمحيص وجمع الأدلة من ساحة الجريمة بأن كل فرد من هذه الشعوب قام بتزييت حبل الآخر وان السقوط المروع للجميع كان جريمة مدبرة مع سبق الإصرار والترصد، قام بها الجميع ضد الجميع.
على الأغلب فان أرملة طرزان الجميلة ـ جين ـ أوصت طفلها الصغيرـ ابن المرحوم طرزان ـ بأن لا يقع في الخطأ والخطل الذي وقع فيه الوالد، وأن يفحص الحبال قبل التمرجح بواسطتها بين السماء والأرض، وعلى الأغلب فان ابن طرزان لم تسقطه الحبال بعد.
لكن شعوبا وقبائل وبطونا وأفخاذا وخلافه، سقطوا وصاروا يتهمون كل من يحذرهم من الحبال المزيتة أو يرفض تزييت الحبل بأخيه، صاروا يتهمونه بالعمالة وبالخيانة العظمى وبالخروج على ثوابت العروبة في السقوط الدائم السقوط.