jo24_banner
jo24_banner

شباب قوموا العبوا

يوسف غيشان
جو 24 :

أبتسم بحزن غير مفرط، وأنا أشاهد دعاية تجارية لأحد أنواع النسكافيه؛ حيث تظهر لنا في الصورة على الشاشة، سيقان متنوعة لشباب ورجال تسقط بنطلوناتهم على أقدامهم بسرعة، موحية للمشاهد بأن هذا النوع من النسكافيه يعمل على تخفيف الوزن والتخلص من الدهون بسرعة؛ لا تتيح لك مجالا، حتى لتغيير نمرة البنطلون أو تصغير فتحة الحزام.

لا ألوم الشركة ولا أنتقد الدعاية؛ لأن الإعلانات التجارية تقوم على المبالغة ، وهذا متفق عليه ، ولا يحتج عليه الناس ولا الشركات المنافسة ،في عملية تواطؤ جماعية ،يفوز فيها من يبالغ أكثر. ولو كانت الدعاية صحيحة في إيحاءاتها، فسوف تكون هذه الشركة أغنى شركة في العالم، وستراكم المليارات كل شهر، لأنها تغلبت على مشكلة السمنة....أكبر مشكلة تواجه البشرية .

المهم، أحضر هذه الدعاية ، وأبتسم بحزن مفرط- كما أسلفت- مع أنهم يكررونها عشرات المرات في السهرة الواحدة، لأني أرى نفسي وأرى الشباب العربي ، في كافة أرجاء الوطن،وهو يتفاجؤون ببنطلوناتهم تنزل عن خصورهم فجأة ، دون مقدمات ولا مؤخرات، ودون أن يشربوا أي نوع من أنواع النسكافية، أو يتعاطوا اي عقار يسيطر على الوضع تماما.

إنها هذه المرحلة الفاصلة بين الطفولة والرجولة، بين الحلم والحقيقة، بين الخيال والواقع،بين اتساع العالم الكبير وسجن العالم الصغير. هي في الواقع ليست مرحلة، إذ لو كانت كذلك لما اختلفنا ، ولكنا مررنا بهذه التغيرات الدراماتيكية بشكل طبيعي ، واستوعبنا الوضع، لكننا للأسف مررنا ب(ميكرويف) جبار طبخنا على السريع، بموجاته المتوسطة والقصيرة، وحولنا من مرحلة (العجر) الى (الاستواء) دون المرور بمرحلة النضج على الإطلاق.

أراد الشباب العربي ، دون سابق إنذار ولا لاحق تحذير، أن يثور على هذا الميكرويف العربي العام الذي يبتلع احلام الشباب، ويحولهم من مرحلة الطفولة الى الكهولة دون المرور بمرحلة الرجولة. لذلك انساق الشباب العربي – وبسرعة كبيرة أيضا- في المشاركة في معارك الربيع العربي التي اجتاحت ارجاء الوطن، وتمكنت في شهرها الثاني من إنجاز التغيير في بلد عربي مهم، مثل تونس، وأسست لتغييرات مماثلة في بلدان أخرى.

بعد أشهر حصل التغيير في ليبيا، ثم في مصر قلب العروبة الدائم الاخضرار ، وبدأ الشباب العربي يؤسس للربيع العربي في سوريا ودول أخرى،دون أن يفقد البوصلة ، أو يضل الطريق،لكن جاءه هادم اللذات ومفرق الجماعات ومضعف الحراكات ومؤجج الخلافات ..والثعلب فات فات ..لف إله ثلث لفّات.

استولى الكبار على الحراكات تماما، وحصدوا نتائج تضحيات الشباب وقبضوا أثمان دمائهم وجروحهم، وعينوا انفسهم أوصياء على الشباب العربي ، واستولوا على الحكومات باسم الشباب العربي ،عقدوا الاتفاقيات باسمه، ونقضوها باسمه، وقتلوا باسمه ..وتحولوا الى سلطات حاكمه باسمه.

وهكذا ، خرج الشباب العربي من المولد بلا حمص ولا عدس ، ونزل بنطلون الشباب العربي مرة أخرى على السريع – من دون نسكافيه ولا من ينسكفون- ، وأعاد التاريخ نفسه مرتين ، مرة على شكل ملهاة ، وأخرى على شكل ملهاة، وربما مرة ثالثة، غير شكل.



أستدرك، لم يخرج الشباب العربي تماما من اللعبة ، فلست متشائما الى هذا الحد، لكن الكبار – وربما دون تنسيق حقيقي بينهم- قرروا استبعاد الشباب العربي من المرحلة الجديدة بأكملها، وإحلال أنفسهم مكان السلطات السابقة أو الآيلة للسقوط، دون الحصول على إذن الشباب العربي، مفجر ثورات الربيع العربي ، وحامل حلمنا الكبير الى غد أكثر شبابا وإشراقا.

وما هذا التزاحم بين يمين ويسار، بين أحزاب دينية واخرى قومية وثالثة علمانية ورابعة ليبرالية، وخامسة بطاطا مشوية، الا معركة (تزاحم) يختلفون فيها على كل شيء ، ويتفقون فيها على استبعاد الشباب العربي من المشاركة في صنع القرار السياسي والاجتماعي في الدول الخارجة من رحم ربيع الشباب العربي ، أو في طريقها الى الخروج.

بالتأكيد ليس على الشباب العربي الاستسلام، والعودة من الشوارع والساحات الى البيوت ليحضر معي دعاية النسكافيه المذكورة أعلاه، بل عليه أن يقاتل الجميع من أجل تمتين دور الشباب في كافة الأحزاب والتيارت والحراكات الموجودة..إن (تشبيب) أحزاب المعارضة في كافة أطيافها ،هو الهدف الأولي للشباب العربي ، قبل أن ينزل بنطلونه مرة أخرى.
( الدستور )

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير