الموازنة الجديدة وتكرار الخطايا
اعتماد تركيب مشروع الموازنة على المنح الخارجية خطأ متواصلنبيل غيشان
عادت الحكومة لعادتها القديمة، وكأنها لا تريد أن تتعلم من أخطاء وخطايا الحكومات السابقة التي باتت كنسخة كربون متكررة في نهاية كل عام، وخاصة في طريقة إعداد مشروعات الموازنات العامة، فقد أعلنت الحكومة عن مشروع قانون الموازنة العام للعام الجاري بعجز مالي يصل إلى مليار و160 مليون دينار من دون المنح الخارجية.
والخطأ المتكرر هو اعتماد تركيب مشروع الموازنة على المنح الخارجية لاسيما بعد أن رأينا ما فعل فينا هذا البند بالموازنة السابقة وبقينا حتى اللحظات الأخيرة نراهن على "القشل"، ومن هنا يجب أن نفرق بين المنح الأمريكية والأوروبية والآسيوية وبين منح الدول الشقيقة، فالشق الأول منح ملتزم بها ومحددة في موازنات تلك الدول، أما المنح العربية فمبنية على الأمل بـ"باب الكريم".
لا أعتقد أن هناك دولة في العالم تبني موازنتها السنوية مثلما نفعل نحن: تقسيم العجز المالي إلى جزأين، بعد المنح وقبلها، فالأصل في الموازنات المالية أنها تبنى على أرقام حقيقية وليس على أرقام تقديرية يمكن أن تأتي والأغلب أنها لن تأتي، والأفضل أن يتم خفض جميع النفقات وبناء موازنة متحركة تربط فيها بعض المشروعات بتوفر المنح الخارجية.
والأخطر في مشروع الموازنة الجديدة، أن رقم العجز المالي المتوقع في نهاية العام بعد المنح (إذا افترضنا أننا قبضناه) سيفوق المقدار المخصص للنفقات الرأسمالية بمقدار 64 مليون دينار، بمعنى أن المنح الخارجية المستهدفة إن وصلت فإن العجز بعده سيكون كبيرا.
التهديد الكبير في الموازنة معروف سلفا وهو الفاتورة النفطية وبالتحديد ضمان وتوريد الغاز المصري الذي كلف انقطاعه في العامين الماضيين مديونية هائلة وصلت إلى خمسة مليارات دينار، واليوم يبدو أن الاتفاق الجديد مع الحكومة المصرية سيضمن تدفقا آمنا للغاز، لكن فترة الأمان لن تأتي إلا في العام المقبل بعد استكمال بناء محطة تخزين الغاز المسال في ميناء العقبة التي ستغير استراتيجية الاستهلاك اليومي للغاز المستورد، وتبني مخزونا استراتيجيا لعدة أشهر، يمكن أن يعوضنا عن الانقطاع المفاجئ لإمدادات الغاز المصري بإعطاء مهلة للبحث عن بدائل من خلال الاستيراد بالبواخر من مصادر أخرى تفاديا للخسائر.
أما البدائل الحقيقية فإنها تتمثل في البحث عن شراكات أوروبية من أجل إقامة مشروعات ضخمة لتوليد الطاقة الشمسية واستغلالها بطرق تجارية يمكن أن تريحنا من الفاتورة النفطية الضخمة التي باتت تلتهم جلّ الموازنة العامة وتحتل البند الأكبر فيها، وقد بدأت الحكومة في تنفيذ بعض الخطط من أجل الاعتماد أكثر على الطاقة الشمسية في البيوت أو تغير أنماط الاستهلاك المنزلي في الشوارع والبيوت.
السنة الجديدة لن تختلف كثيرا عن سابقتها، لكن نتمنى أن نعبرها بأقل الخسائر لأن العام 2014 قد يفتح طاقة من الأمل، إذا ما سرعنا من عمليات التوسع في البحث عن الغاز الطبيعي في منطقة الريشة في شرق البلاد وغيرها،وبناء خط البترول والغاز العراقي إلى العقبة والمصفاة وكذلك مشروع استخراج الصخر الزيتي الذي يبشر بحلول واعدة للفاتورة النفطية، لكن تبقى مقولة "على قد لحافك مد رجليك" هي المثل الأعلى ومن دونها ستتوه البوصلة.
(العرب اليوم )